فلما كانت الليلة ٦٤٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الحرب اشتدَّ بين المسلمين والكفار حتى صار المسلمون في الكفار كالشامة البيضاء في الثور الأسود، ولم يزالوا في ضرب واصطدام حتى أقبل الظلام، وافترقوا من بعضهم وقد قُتِل من الكفار خلقٌ كثيرٌ ما لهم عدد، ورجع الجمرقان وقومه وهم في غاية الحزن على سعدان، ولم يَطِبْ لهم طعام ولا منام، وتفقَّدوا قومهم فوجدوا المقتول منهم دون ألف، فقال الجمرقان: يا قوم، إني أبرز في حومة الميدان، ومقام الحرب والطعان، وأقتل أبطالهم وأسبي عيالهم وآخذهم أسارى، وأفدي بهم سعدان بإذن الملك الديَّان الذي لا يشغله شأن عن شأن. فطابت قلوبهم وفرحوا، ثم تفرَّقوا إلى خيامهم. وأما الجلند فإنه قام ودخل سرادقه، وجلس على سرير ملكه، ودارت قومه من حوله، ودعا بسعدان فأحضروه بين يديه، فقال له: يا كلب ويا أقل العرب ويا حمَّال الحطب، مَن قتل ولدي القورجان شجيع الزمان، قاتل الأقران ومجندل الأبطال؟ قال له سعدان: قتله الجمرقان مقدم عسكر الملك غريب سيد الفرسان، وأنا شويته وأكلته وكنتُ جائعًا. فلما سمع الجلند كلام سعدان، صارت عيناه في أم رأسه، وأمر بضرب رقبته، فأتى السياف بهمته وتقدَّمَ لسعدان، فعند ذلك تمطع سعدان في الكتاف فقطَّعه، وهمَّ على السياف وخطف السيف منه وضربه فرمى رأسه، وقصد الجلند فرمى روحه عن السرير وهرب، فوقع سعدان في الحاضرين فقتل منهم عشرين من خواص الملك، وهرب باقي المقدمين، وارتفع الصياح في عسكر الكفار، وهجم سعدان على الحاضرين من الكفار، وضرب فيهم يمينًا وشمالًا، فعند ذلك تفرَّقوا من بين يديه فأخلوا له الزقاق، ولم يزل سائرًا يضرب في العدى بالسيف حتى خرج من الخيام وقصد خيام المسلمين، وسمع المسلمون ضجيج الكفار فقالوا: لعلهم جاءتهم نجدة. فبينما هم باهتون وإذا بسعدان قد أقبَلَ عليهم، ففرحوا بقدومه فرحًا شديدًا، وكان أكثرهم به فرحًا الجمرقان، فسلَّمَ عليه وسلَّم عليه المسلمون وهنَّئُوه بالسلامة.
هذا ما كان من أمر المسلمين، وأما ما كان من أمر الكفار فإنهم رجعوا وملكهم إلى السرادق بعد رواح سعدان، فقال لهم الملك: يا قوم، وحق الشمس ذات الأنوار، وحق ظلام الليل ونور النهار والكوكب السيَّار، ما كنت أظن أني أسلم من القتل في هذا النهار، ولو وقعت في يده لَأكلني، ولا كنت أساوي عنده قمحًا ولا شعيرًا ولا حبةً من الحبوب. فقالوا: يا ملك، ما رأينا مَن يعمل مثل هذا الغول؟ فقال لهم: يا قوم، إذا كان في غذٍ فاحملوا عُدَدكم واركبوا خيولكم ودوسوهم تحت حوافر الخيل. وأما المسلمون فإنهم اجتمعوا وهم فَرِحون بالنصر وخلاص سعدان الغول، فقال الجمرقان: غدًا في الميدان أريكم فعلي وما يليق بمثلي، وحق الخليل إبراهيم لَأقتلَنَّهم أشنعَ القتلات، ولَأضربَنَّ فيهم بالبتَّار حتى يحير فيهم كل فهيم، ولكن قد نويت أني أحمل على الميمنة والميسرة، فإذا رأيتموني قد هجمت على الملك تحت الأعلام، فاحملوا خلفي بالاهتمام، ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا. وبات الفريقان يتحارسان حتى طلع النهار، وبانت الشمس للنظار، وركب الفريقان أسرع من لمحة العين، وصاح غراب البين، ونظروا بعضهم بالعين، واصطفوا للحرب والقتال، فأول مَن فتح باب الحرب الجمرقان، فجال وصال وطلب النزال، فأراد الجلند أن يحمل بقومه، وإذا بغبار قد ثار حتى سدَّ الأقطار، وأظلم النهار، وضربته الرياح الأربع، فتمزَّقَ وتقطَّع، وبان من تحته كل فارس أدرع وبطل سميدع، وسيوف تقطع ورماح تصدع، ورجال كأنهم السباع لا تخاف ولا تجزع، فلما نظر العسكران الغبار أمسكوا عن القتال وأرسلوا مَن يكشف لهم الأخبار، من أي قوم هؤلاء القادمون المثيرون لهذا الغبار؟ فسار السعاة وعبروا تحت الغبار وغابوا عن الأبصار، ثم عادوا بعد ساعة من النهار، فأما ساعي الكفار فإنه أخبرهم أن هؤلاء القادمين طائفة من المسلمين وملكهم غريب، وأما ساعي المسلمين فإنه رجع وأخبرهم بمجيء الملك غريب وقومه، ففرحوا بقدومه. ثم إنهم ساقوا خيلهم ولاقوا ملكهم، ونزلوا وقبَّلوا الأرض بين يديه وسلَّموا عليه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.