فلما كانت الليلة ٦٥٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مرعشًا ملك الجن لما اهتدى هو وقومه للإسلام، أحضر غريبًا وأخاه وقبَّلهما بين أعينهما، وكذلك أرباب دولته ازدحموا على تقبيل أيديهما ورأسهما. ثم إن الملك مرعشًا جلس على كرسي مملكته، وأجلس غريبًا عن يمينه وسهيمًا عن يساره وقال: يا إنسي، ما نقول حتى نصير مسلمين؟ فقال غريب: قولوا لا إله إلا الله، إبراهيم خليل الله. فأسلم الملك وقومه قلبًا ولسانًا، وقعد غريب يعلِّمهم الصلاة. ثم إن غريبًا تذكَّرَ قومه فتنهَّدَ، فقال له ملك الجن: قد ذهب الغم وراح، وجاء البسط والانشراح. فقال له غريب: يا ملك، إن لي أعداء كثيرة، وأنا خائف على قومي منهم. وحكى له ما جرى له مع أخيه عجيب من أوله إلى آخره. فقال له ملك الجن: يا ملك الإنس، أنا أبعث لك مَن يكشف خبر قومك، وما أخليك تروح حتى أتملَّى بوجهك. ثم دعا بماردين شديدين، أحدهما اسمه الكيلجان، والآخر اسمه القورجان، فلما حضر الماردان قبَّلَا الأرض، فقال لهما: سيرَا إلى اليمن واكشفا خبر جنودهما وعساكرهما. فقالَا: سمعًا وطاعةً. ثم سار الماردان وطارَا نحو اليمن.
هذا ما جرى لغريب وسهيم، وأما عسكر المسلمين فإنهم أصبحوا راكبين هم والمقدمون، وقصدوا قصر الملك غريب لأجل الخدمة، فقال لهم الخدم: إن الملك وأخاه ركبا سَحَرًا وخرجَا. فركب المقدمون وقصدوا الأودية والجبال، ولم يزالوا يقصون الأثر حتى وصلوا إلى وادي العيون، فوجدوا عدة غريب وسهيم مرمية، والجوادين يرعيان، فقال المقدمون: إن الملك فُقِد من هذا المكان، يا لجاه الخليل إبراهيم. ثم إنهم تفرقوا في الوادي والجبال ثلاثة أيام، فما ظهر لهم خبر، فأقاموا العزاء وطلبوا السعاة، وقالوا لهم: تفرقوا في الميدان والحصون والقلاع، واكشفوا خبر ملكنا. فقالوا: سمعًا وطاعةً. وقد تفرقوا وطلب كل واحد إقليمًا، ووصل لعجيب مع الجواسيس خبر أخيه أنه فُقِد ولم يقعوا له على خبر، ففرح عجيب بفَقْد أخيه غريب واستبشر، ودخل على الملك يعرب بن قحطان، وكان استجار به فأجاره وأعطاه مائتَيْ ألف عملاق، وسار عجيب بعسكره حتى نزل على مدينة عمان، فخرج لهم الجمرقان وسعدان وقاتلاهم وقُتِل من المسلمين خلقٌ كثير، ودخلوا المدينة وغلَّقوا الأبواب وحصَّنوا الأسوار، ثم أقبل الماردان الكيلجان والقورجان وقد نظرَا المسلمين محصورين، فصبرَا حتى أقبل الليل وأعملَا في الكفار سيفين باترين من سيوف الجن، كل سيف طوله اثنا عشر ذراعًا، لو ضرب به إنسانٌ حجرًا لقصمه، فحملَا عليهم وهما يقولان: الله أكبر، فتح ونصر وخذل مَن كفر بدين الخليل إبراهيم. ثم إنهما بطشا بالكفار وأكثرَا فهيم القتل، وخرجت النار من أفواههما ومناخيرهما، فبرز الكفار من سرادقهم فنظروا إلى أشياء عجيبة تقشعر منها الأبدان، واختبلوا وطارت عقولهم. ثم إنهم خطفوا أسلحتهم وبطشوا ببعضهم، والماردان يحصدان في رقاب الكفار ويصيحان: الله أكبر، نحن غلمان الملك غريب صاحب الملك مرعش ملك الجان. ولم يزل السيف دائرًا فيهم حتى انتصف الليل، وقد تخيل للكفار أن الجبال كلها عفاريت، فحملوا الخيام والثقل والمال على الجمال وقصدوا الذهاب، وكان أولهم هروبًا عجيب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: يا أختي، ما أحسن هذا الكلام وأعذبه وأحلاه وأطيبه! فقالت لها: وأين هذا مما أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.