فلما كانت الليلة ٦٥٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الكفار قصدوا الذهاب وكان أولهم هروبًا عجيب، ثم قد اجتمع المسلمون وتعجبوا من هذا الأمر الذي جرى للكفار وخافوا من قبائل الجان، ولم يزل الماردان في أقفية الكفار حتى شتَّتوهم في البراري والقفار، وما سلم من الماردان سوى خمسين ألف عملاق من أصل مائتَيْ ألف، وقد قصدوا بلادهم وهم منهزمون مجروحون وقالوا: يا عسكر، إن الملك غريبًا سيدكم وأخاه يسلِّمان عليكم، وهما مستضافان عند الملك مرعش ملك الجان، وعن قريب يكونان عندكم. فلما سمع العساكر بخبر غريب وأنه طيب، فرحوا فرحًا شديدًا، وقالوا لهما: بشَّرَكما الله بالخير يا أرواحًا كرامًا. ثم إن الماردين رجعَا ودخلَا على الملك غريب والملك مرعش فوجداهما جالسين، فأخبراهما بما جرى وما فعلا فجازياهما خيرًا، وقد اطمأنَّ قلب غريب، فعند ذلك قال الملك مرعش: يا أخي، مرادي أن أفرجك على أرضنا، وأُرِيك مدينة يافث بن نوح عليه السلام. قال: يا ملك، افعل ما بَدَا لك. فدَعَا بجوادين لهما وركب هو وغريب وسهيم، وركب معه ألف مارد وساروا كأنهم قطعة جبل مشقوقة بالطول، فساروا يتفرجون على أودية وجبال حتى أتوا مدينة يافث بن نوح عليه السلام، فخرج أهل المدينة كبارًا وصغارًا ولاقوا مرعشًا، فدخل في موكب عظيم، ثم إنه طلع إلى قصر يافث بن نوح وجلس على كرسي ملكه، وهو من المرمر مشبك بقضبان الذهب، علوه عشر درج وهو مفروش بأنواع الحرير الملون، ولما وقف أهل المدينة قال لهم: يا ذرية يافث بن نوح، ما كان يعبد آباؤكم وأجدادكم؟ قالوا: إنا وجدنا آباءنا يعبدون النار فتبعناهم وأنت أخبر بذلك. قال: يا قوم، أنا رأيت النار مخلوقة من مخاليق الله تعالى الذي خلق كل شيء، فلما علمتُ ذلك أسلمتُ لله الواحد القهار، خالق الليل والنهار والفلك الدوار، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، فأسلِموا تَسْلَموا من غضب الجبَّار، وفي الآخرة من عذاب النار. فأسلموا قلبًا ولسانًا، وأخذ مرعش بيد غريب وفرَّجَه على قصر يافث وبنائه وما فيه من العجائب، ثم دخل دار السلاح وفرَّجَه على سلاح يافث، فنظر غريب إلى سيف معلَّق في وتد من ذهب، فقال غريب: يا ملك، هذا لمَن؟ قال: هذا سيف يافث بن نوح الذي كان يقاتل به الإنس والجن، صاغه الحكيم جردوم، وكتب على ظهره أسماء عظيمة، فلو ضرب به الجبل لهدمه، واسمه الماحق، ما نزل على شيء إلا محقه، ولا جني إلا دمَّره.
فلما سمع غريب كلامه وما ذكره في فضائل هذا السيف قال: مرادي أن أنظر هذا السيف؟ فقال مرعش: دونك وما تريد. فمَدَّ غريب يده وأخذ السيف وسحبه من جفيره، فسطع ودبَّ الموت على حده وشعشع، وكان طوله اثني عشر شبرًا، وعرضه ثلاثة أشبار، فأراد غريب أن يأخذه، فقال الملك مرعش: إن كنت تقدر أن تضرب به فخذه. فقال غريب: نعم. ثم أخذه في يده فصار في يده كالعصا، فتعجَّبَ الحاضرون من الإنس وقالوا: أحسنتَ يا سيد الفرسان. فقال له مرعش: ضع يدك على هذه الذخيرة التي بحسرتها ملوك الأرض، واركب حتى أفرِّجك. فركب وركب مرعش ومشت الإنس والجن في خدمته. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أحسن هذا الكلام وأطيبه وأحلاه وأعذبه! فقالت: وأين هذا مما أحدِّثكم به الليلة القابلة إن عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.