فلما كانت الليلة ٦٥٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك غريبًا والملك مرعشًا لما ركبا من مدينة يافث، والإنس والجن سائرون في خدمتهما، مشيَا بين قصورٍ ودُورٍ خاليات، وشوارع وأبواب مذهبات، ثم خرجَا من أبواب المدينة وتفرَّجَا في بساتين ذات أشجار مثمرات، وأنهار جاريات، وأطيار ناطقات، تسبِّح مَن له القدرة والبقاء، ولم يزالَا يتفرَّجان حتى أقبل المساء، فرجعَا وباتَا في قصر يافث بن نوح، فلما وصلَا قُدِّمت لهما مائدة فأكلَا، والتفت غريب لملك الجان وقال: يا ملك، إن قصدي الذهاب إلى قومي وجندي، فلم أعلم حالهم بعدي. فلما سمع مرعش كلام غريب قال له: يا أخي، والله ما مرادي فراقك، ولا أخليك تروح ولا بعد شهر كامل حتى أتملى برؤيتك. فما قدر أن يخالفه، فقعد شهرًا كاملًا في مدينة يافث، ثم أكل وشرب وأعطاه الملك مرعش هدايا من التحف والمعادن والجواهر والزمرد والبلخش وحجر الماس، وقطعًا من ذهب وفضة، وكذلك مسك وعنبر، ومقاطع حرير منسوجة بالذهب، وعمل لغريب وسهيم خلعتين من الوشي منسوجتين بالذهب، وعمل لغريب تاجًا مكلَّلًا بالدر والجوهر لا يعادل بأثمان، ثم عبَّى له ذلك كله في أعدال، ودعا بخمسمائة ماردٍ وقال لهم: جهِّزوا حالكم إلى السفر في غدٍ، حتى نؤدي الملك غريبًا وسهيمًا إلى بلادهما. قالوا: سمعًا وطاعةً. وباتوا على نية السفر حتى أتى وقت السفر، وإذا هم بخيول وطبول ونفير تصيح حتى ملأت الأرض، وهم سبعون ألف مارد طيَّارة غواصة، وملكهم اسمه برقان، وكان لمجيء هذا الجيش سبب عظيم عجيب، وأمر مطرب غريب، سنذكره على التراتيب.
وكان برقان هذا صاحب مدينة العقيق وقصر الذهب، وكان يحكم على خمس قلل، كل قلة فيها خمسمائة ألف مارد، وهو وقومه يعبدون النار دون الملك الجبَّار، وكان هذا الملك ابن عم مرعش، وكان في قوم مرعش مارد كافر أسلم نفاقًا، وغطس من بين قومه وسار حتى وصل إلى وادي العقيق، ودخل قصر الملك برقان وقبَّلَ الأرض بين يديه ودعا له بدوام العز والأنعام، ثم أخبره بإسلام مرعش، فقال له برقان: كيف مرق من دينه؟ فحكى له جميع ما جرى، فلما سمع برقان كلامه شخر ونخر، وسب الشمس والقمر، والنار ذات الشرور، وقال: وحقِّ ديني لأقتلنَّ ابن عمي وقومه، وهذا الإنسي، ولا أترك منهم أحدًا. ثم صاح على أرهاط الجن، واختار منهم سبعين ألف مارد، وسار بهم حتى وصل إلى مدينة جابرصا، وداروا حول المدينة كما ذكرنا، ونزل الملك برقان مقابل باب المدينة ونصب خيامه، فدعا مرعش بمارد وقال له: امضِ إلى هذا العسكر وانظر ما يريدون وائتني عاجلًا. فمرق المارد حتى دخل خيام برقان، فتسارع إليه المَرَدة وقالوا له: مَن أنت؟ قال: رسول مرعش. فأخذوه وأوقفوه بين يدي برقان، فسجد له وقال: يا مولاي، إن سيدي أرسلني إليكم لأنظر خبركم. فقال له: ارجع إلى سيدك وقل له: هذا ابن عمك برقان أتى يسلِّم عليك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أحسن حديثك وأطيبه وأحلاه وأعذبه! فقالت: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.