فلما كانت الليلة ٦٥٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المارد رسول مرعش لما دخل على برقان وقال له: إن سيدي أرسلني إليك لأنظر خبركم. قال له: ارجع إلى سيدك وقل له: إن ابن عمك برقان أتى يسلِّم عليك. فرجع المارد إلى مولاه وأخبره بذلك، فقال لغريب: اقعد على سريرك حتى أسلِّم على ابن عمي وأعود إليك. ثم ركب وسار قاصدًا الخيام، وكان برقان عملها حيلةً حتى يخرج مرعش ويقبض عليه، ثم أوقف حوله مَرَدة وقال لهم: إذا رأيتموني حضنته فأمسكوه وكتِّفوه. فقالوا: سمعًا وطاعةً. ثم بعد ذلك وصل الملك مرعش ودخل سرادق ابن عمه، فقام إليه واعتنقه، فهجم عليه الجان وكتَّفوه وقيَّدوه، فنظر مرعش إلى برقان وقال له: ما هذا الحال؟ فقال له: يا كلب الجان، أتترك دينك ودين آبائك وأجدادك وتدخل في دينٍ لا تعرفه؟ فقال له مرعش: يا ولد عمي، قد وجدتُ دينَ إبراهيم الخليل هو الحق وغيره باطل. فقال: ومَن أخبركم؟ قال: غريب ملك العراق، وهو عندي في أعز مكان. فقال له برقان: وحق النار والنور، والظل والحرور، لَأقتلَنَّكم جميعًا. ثم سجنه، فلما نظر غلام مرعش ما حلَّ بمولاه، ولَّى هاربًا إلى المدينة وأعلم أرهاط الملك مرعش بما حصل لمولاه، فصاحوا وركبوا خيولهم، فقال غريب: ما الخبر؟ فأعلموه بما جرى، فصاح على سهيم وقال له: شدَّ لي جوادًا من الجوادين اللذين أعطانيهما الملك مرعش. فقال له: يا أخي، أتقاتل الجان؟ قال: نعم أقاتلهم بسيف يافث بن نوح، وأستعين برب الخليل إبراهيم عليه السلام، فهو رب كل شيء وخالِقه. فشَدَّ له جوادًا أشقر من خيل الجن كأنه حصن من الحصون، ثم أخذ آلة الحرب وخرج وركب وخرجت الأرهاط وهم لابسون الدروع، وركب برقان وقومه وتقاتَلَ الفريقان، واصطفَّ العسكران، وكان أولَ مَن فتح باب الحرب الملك غريبٌ، فساق جواده في حومة الميدان، وجرَّدَ سيف يافث بن نوح عليه السلام، فخرج منه نور ساطع انبهرت منه عيون الجن أجمعين، ووقع في قلوبهم الرعب، فلعب غريب بالسيف حتى أذهل عقول الجان، ثم نادى: الله أكبر، أنا الملك غريب ملك العراق، لا دين إلا دين إبراهيم الخليل.
فلما سمع برقان كلام غريب قال: هذا الذي غيَّرَ دين ابن عمي وأخرجه من دينه، فوَحَقِّ ديني لا أقعد على سريري حتى أقطع رأس غريب وأخمد أنفاسه، وأردَّ ابن عمي وقومه إلى دينهم، ومَن خالفني أهلكتُه. ثم ركب على فيل أبيض قرطاسي، كأنه برج مشيد، وصاح عليه وضربه بسنان من بولاد، فغرق في لحمه، فصرخ الفيل وقصد الميدان ومقام الحرب والطعان، حتى قرب من غريب، فقال له: يا كلب الإنس، ما أدخلك أرضنا حتى أفسدت ابن عمي وقومه وأخرجتهم من دين إلى دين؟ اعلم أن اليوم آخر أيامك من الدنيا. فلما سمع غريب هذا الكلام قال له: اخسأْ يا أقلَّ الجان. فسحب برقان حربة وهزَّها وضرب بها غريبًا فأخطأه، فضربه بحربة ثانية فخطفها غريب من الهواء وهزَّها وأرسلها نحو الفيل، فدخلت في جنبه وخرجت من الجانب الآخَر، فوقع الفيل على الأرض قتيلًا، وارتمى برقان كأنه نخلة سحوق، فما خلَّاه غريب يتحرك من مكانه حتى ضربه بسيف يافث بن نوح على جذع رقبته صفحًا فغُشِي عليه، فاندفعت عليه المَرَدة وأداروا أكتافه، فلما نظر قومه إلى ملكهم هجموا وأرادوا خلاصه، فحمل عليهم غريب، وحملت معه الجن المؤمنون، فلله درُّ غريب لقد أرضى الرب المجيب، وأشفى الغليل بالسيف المطلسم، وكلُّ مَن ضربه به قصمه، فما تطلع روحه حتى يصير في النار رمادًا، وهجم المؤمنون على الجن الكافرين وتراموا بشهب النار، وعمَّ الدخان، وغريب قد جال فيهم يمينًا وشمالًا فتفرَّقوا بين يديه، وقد وصل الملك غريب إلى سرادق الملك برقان، وكان إلى جانبه الكيلجان والقورجان، فصاح غريب عليهما وقال: حلَّا مولاكما. فحلَّاه وكسرَا قيده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح. قالت لها أختها: ما أحلى حديثك وأعذبه وألذه وأطيبه! فقالت: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله ما أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.