فلما كانت الليلة ٥٤٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما نزل في الفلك هو وأصحابه، وصار يرجمهم الأسود ورفيقته، فمات أكثرهم، ولم يَبْقَ منهم إلا ثلاثة أشخاص، فطلع بهم الفلك إلى جزيرة. قال: فمشينا إلى آخر النهار، فدخل علينا الليل ونحن على هذه الحالة، فنمنا قليلًا، واستيقظنا من منامنا، وإذا بثعبان عظيم الخلقة، كبير الجثة، واسع الجوف، قد أحاط بنا، وقصد واحدًا منَّا فبلعه إلى أكتافه، ثم بلع باقيه، فسمعنا أضلاعه تتكسَّر في بطنه، وراح إلى حال سبيله، فتعجَّبْنا من ذلك غاية العجب، وحزِنَّا على رفيقنا، وصرنا في غاية الخوف على أنفسنا، وقلنا: والله هذا أمر عجيب، كل موت أشنع من سابقه، وكنَّا فرحنا بسلامتنا من الأسود، فما تمَّتِ الفرحة! لا حول ولا قوة إلا بالله، والله قد نجونا من الأسود ومن الغرق، فكيف تكون نجاتنا من هذه الآفة المشئومة؟ ثم إننا قمنا فمشينا في الجزيرة، وأكلنا من ثمرها، وشربنا من أنهارها، ولم نزل فيها إلى وقت المساء، فوجدنا شجرة عظيمة عالية فطلعناها، ونمنا فوقها، وقد طلعت أنا أعلى فروعها، فلما دخل الليل وأظلم الوقت، جاء الثعبان وتلفَّتَ يمينًا وشمالًا، ثم إنه قصد تلك الشجرة التي نحن عليها، ومشى حتى وصل إلى رفيقي، وبلعه حتى أكتافه، والتفَّ به على الشجرة، فسمعت عظمه يتكسَّر في بطنه، ثم بلعه بتمامه وأنا أنظر بعيني. ثم إن الثعبان نزل من فوق تلك الشجرة، وراح إلى حال سبيله، ولم أزل على تلك الشجرة باقي تلك الليلة، فلما طلع النهار وبان النور، نزلت من فوق الشجرة، وأنا مثل الميت من كثرة الخوف والفزع، وأردت أن أُلقِي بنفسي في البحر، وأستريح من الدنيا، فلم تَهُنْ عليَّ روحي؛ لأن الروح عزيزة، فربطتُ خشبةً عريضة على أقدامي بالعرض، وربطت واحدة مثلها على جنبي الشمال، ومثلها على جنبي اليمين، ومثلها على بطني، وربطت واحدة طويلة عريضة من فوق رأسي بالعرض، مثل التي تحت أقدامي، وصرت أنا في وسط هذا الخشب، وهو محتاط بي من كل جانب، وقد شددتُ ذلك شدًّا وثيقًا، وألقيت نفسي بالجميع على الأرض، فصرت نائمًا بين تلك الأخشاب، وهي محيطة بي كالمقصورة.
فلما أمسى الليل أقبل ذلك الثعبان على جري عادته، ونظر إليَّ وقصدني، فلم يقدر أن يبلعني وأنا على تلك الحالة، والأخشاب حولي من كل جانب، فدار الثعبان حولي، ولم يستطع الوصول إليَّ، وأنا أنظر بعيني، وقد صرت كالميت من شدة الخوف والفزع، وصار الثعبان يبعد عني ويعود إليَّ، ولم يزل على هذه الحالة، وكلما أراد الوصول إليَّ ليبتلعني تمنعه تلك الأخشاب المشدودة عليَّ من كل جانب، ولم يزل كذلك من غروب الشمس إلى أن طلع الفجر، وبان النور وأشرقت الشمس، فمضى الثعبان إلى حال سبيله، وهو في غاية ما يكون من القهر والغيظ؛ فعند ذلك مددتُ يدي، وفككتُ نفسي من تلك الأخشاب، وأنا في حكم الأموات من شدة ما قاسيتُ من ذلك الثعبان، ثم إني قمتُ ومشيتُ في الجزيرة حتى انتهيت إلى آخِرها، فلاحَتْ مني التفاتة إلى ناحية البحر، فرأيت مركبًا على بُعْد في وسط اللجَّة، فأخذتُ فرعًا كبيرًا من شجرة، ولوَّحْتُ به إلى ناحيتهم، وأنا أصيح عليهم، فلما رأوني قالوا: لا بد أننا ننظر ما يكون هذا، لعله إنسان. ثم إنهم قربوا مني، وسمعوا صياحي عليهم، فجاءوا إليَّ، وأخذوني معهم في المركب، وسألوني عن حالي، فأخبرتهم بجميع ما جرى لي من أوله إلى آخِره، وما قاسيته من الشدائد؛ فتعجبوا من ذلك غاية العجب، ثم إنهم ألبسوني من عندهم ثيابًا، وستروا عورتي، وبعد ذلك قدَّموا لي شيئًا من الزاد، فأكلت حتى اكتفيت، وسقوني ماءً باردًا عذبًا، فانتعش قلبي، وارتاحَتْ نفسي، وحصل لي راحة عظيمة، وأحياني الله تعالى بعد موتي، فحمدت الله تعالى على نِعَمه الوافرة، وشكرته، وقد قويت همتي بعدما كنت أيقنت بالهلاك، حتى تخيل لي أن جميع ما أنا فيه منام. ولم نزل سائرين، وقد طاب لنا الريح بإذن الله تعالى إلى أن أشرفنا على جزيرةٍ يقال لها جزيرة السلاهطة، فأوقف الريس المركب عليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.