فلما كانت الليلة ٦٥٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك غريبًا لما صاح على الكيلجان والقورجان وقال لهما: حلَّا مولاكما. فحلَّاه وكسرَا قيده، فقال لهما الملك مرعش: ائتياني بعُدَّتي وجوادي الطيَّار. وكان عند الملك جوادان يطيران في الهواء، فأعطى غريبًا واحدًا وبقي عنده واحد، فأتوه به بعد أن لبس آلة الحرب وحمل مع غريب وطار بهما الجوادان وقومهما خلفهما وهما يصيحان: الله أكبر، الله أكبر. فأجابتهما الأرض والجبال والأودية والتلال، ورجعوا من خلفهم بعد أن قتلوا منهم خلقًا كثيرًا تزيد عن ثلاثين ألف مارد وشيطان، ودخلوا مدينة يافث وجلس الملكان على مراتب العز، وطلبا برقان فما وجداه؛ لأنهما حين أسراه اشتغلَا عنه بالقتال، وقد سبقه عفريت من غلمانه فحلَّه ومرَّ به على قومه، فوجد البعض مقتولًا والبعض هاربًا، فطار به نحو السماء وحطَّ على مدينة العقيق وقصر الذهب، وجلس الملك برقان على تخت مملكته، ووصل قومه إليه الذين فضلوا من القتل، فدخلوا عليه وهنَّئُوه بالسلامة، فقال: يا قوم، وأين السلامة وقد قُتِل عسكري، وأسروني وخرقوا حرمتي بين قبائل الجان؟ فقالوا: يا ملك، ما دامت الملوك تصيب وتصاب. قال لهم: لا بد من أن آخذ ثأري وأكشف عاري، وإلا أكون معيرة بين قبائل الجان. ثم إنه كتب الكتب وأرسل إلى قبائل الحصون فأتوه مذعنين مطيعين، فتفقَّدَهم فوجدهم ثلاثمائة ألف وعشرين ألفًا من المَرَدة الجبَّارين والشياطين. فقالوا: أي حاجة لك؟ فقال: خذوا أهبتكم للسفر بعد ثلاثة أيام. فقالوا: سمعًا وطاعة.
هذا ما كان من أمر الملك برقان، وأما ما كان من أمر الملك مرعش فإنه لما رجع وطلب برقان ولم يجده صعب عليه، وقال: لو كنَّا حفظناه بمائة مارد ما كان يهرب، ولكن أين يروح منَّا؟ ثم قال مرعش لغريب: اعلم يا أخي أن برقان غدَّار ما يقعد عن أخذ الثأر، ولا بد أن يجمع أرهاطه ويأتوا إلينا، وأنا قصدي أن ألحقه وهو ضعيف على إثر هزيمته. فقال غريب: هذا هو الرأي الصواب والأمر الذي لا يعاب. ثم قال مرعش لغريب: يا أخي، خلِّ المَرَدة يوصلونكم إلى بلادكم واتركوني أجاهد الكفار حتى تخف عنِّي الأوزار. فقال غريب: لا وحقِّ الحليم الكريم الستار، ما أروح هذه الديار حتى أفني جميع الجان الكفَّار، ويعجِّل الله بأرواحهم إلى النار وبئس القرار، ولا ينجو إلا مَن يعبد الله الواحد القهَّار، ولكن أرسل سهيمًا إلى مدينة عمان لعله يشفى من المرض. وكان سهيم ضعيفًا، فصاح مرعش على المَرَدة وقال لهم: احملوا سهيمًا وهذه الأموال والهدايا إلى مدينة عمان. فقالوا: سمعًا وطاعةً. فحملوا سهيمًا والهدايا وقصدوا بلاد الإنس، ثم كتب مرعش الكتب إلى حصونه وجميع عمَّاله، فحضروا فكانت عُدَّتهم مائة ألف وستين ألفًا، فتجهَّزوا وساروا قاصدين بلاد العقيق وقصر الذهب، فقطعوا في يوم واحد مسيرة سنة، ودخلوا واديًا فنزلوا فيه للراحة وباتوا حتى أصبح الصباح، وأرادوا أن يرحلوا وإذا بطلائع الجان قد طلعت، والجن قد صاحت، والتقى العسكران في ذلك الوادي، فحملوا على بعضهم وقد وقع القتل بينهم، واشتدَّ النزال، وعظم الزلزال، وساءت الأحوال، وجاء الجد وذهب المحال، وبطل القيل والقال، وقصرت الأعمار الطوال، وصارت الكَفَرة في الذل والخبال، وحمل غريب وهو يوحِّد الواحد المعبود المستعان، فقطع الرقاب وقد ترك الرءوس مدحرجة على التراب، فما أمسى المساء حتى قتل من الكفار نحو سبعين ألفًا؛ فعند ذلك دقوا كئوس الانفصال وافترقوا من بعضهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أطيب حديثك وأحسنه وأحلاه وأعذبه! فقالت: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.