فلما كانت الليلة ٦٥٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العسكرين لما انفصلا من بعضهما وافترقا، نزل مرعش وغريب في خيامهما بعد أن مسحا سلاحهما، ثم حُضِّر العشاء فأكلَا وهنَّيَا بعضهما بالسلامة، وقد قتل منهم أكثر من عشرة آلاف مارد. وأما برقان فإنه نزل في خيامه وهو ندمان على مَن قُتِل من الأعوان وقال: يا قوم، إن قعدنا نقاتل هذا القوم ثلاثة أيام أفنونا عن آخِرنا. فقالوا: وما نفعل يا ملك؟ قال: نهجم عليهم في الليل وهم نيام، فما يبقى منهم مَن يرد الأخبار، فخذوا أهبتكم واهجموا على أعدائكم واحملوا حملة رجل واحد. فقالوا: سمعًا وطاعةً. ثم إنهم تجهَّزوا للهجوم، وكان فيهم مارد اسمه جندل، وكان قلبه لَانَ للإسلام، فلما نظر الكفار وما عزموا عليه، مرق من بينهم ودخل على مرعش والملك غريب وأخبرهما بما دبَّر الكفار، فالتفت مرعش لغريب وقال له: يا أخي، ما يكون العمل؟ فقال: الليلة نهجم على الكفار ونشتتهم في البراري والقفار بقدرة الملك الجبَّار. ثم دعا بالمقدمين من الجان وقال لهم: احملوا آلة حربكم أنتم وقومكم، فإذا أسبل الظلام فانسلُّوا على أقدامكم مائة بعد مائة، وخلُّوا الخيام خالية واكمنوا بين الجبال، فإذا رأيتم الأعداء صاروا بين الخيام، فاحملوا عليهم من سائر الجهات، وقوُّوا عزمكم واعتمدوا على ربكم، فإنكم تُنصَرون، وها أنا معكم.
فلما جاء الليل هجموا على الخيام وقد استغاثوا بالنار والنور، فلما وصلوا بين الخيام هجم المؤمنون على الكفار وهم يستغيثون برب العالمين ويقولون: يا أرحم الراحمين، يا خالق الخلق أجمعين. حتى تركوهم حصيدًا خامدين، فما أصبح الصباح إلا والكفار أشباح بلا أرواح، والذين فضلوا طلبوا البراري والبطاح، ورجع مرعش وغريب وهم منصورون مؤيدون ونهبوا أموال الكفار، وباتوا حتى أصبح الصباح وساروا طالبين مدينة العقيق وقصر الذهب. وأما برقان فإنه لما دار الحرب عليه وقتل أكثر قومه في ظلام الليل، ولَّى هاربًا مع مَن بقي من قومه حتى وصل إلى مدينته ودخل قصره وجمع أرهاطه، وقال: يا بَنِيَّ، مَن كان عنده شيء فليأخذه ويلحقني في جبل قاف عند الملك الأزرق صاحب القصر الأبلق، فهو الذي يأخذ ثأرنا. فأخذوا حريمهم وأولادهم وأموالهم وقصدوا جبل قاف، ثم وصل مرعش وغريب إلى مدينة العقيق وقصر الذهب، فوجدوا الأبواب مفتوحة وليس فيها مَن يخبر بخبر، فأخذ مرعش غريبًا يفرِّجه على مدينة العقيق وقصر الذهب، وكان أساسات صورها من الزمرد، وبابها من العقيق الأحمر، بمسامير من الفضة، وسقوف بيوتها وقصورها العود والصندل، فمشوا وتفرَّقوا في شوارعها وأزِقَّتها حتى وصلوا إلى قصر الذهب، ولو يزالوا يدخلون من دهليز إلى دهليز، وإذا هم ببناء من البلخش الملوكي ورخامه زمرد وياقوت، ودخل مرعش وغريب في القصر فاندهشا من حُسْنه، ولم يزالا يدخلان من موضع إلى موضع حتى قطعَا سبعة دهاليز، فلما وصلَا إلى داخل القصر إذا هما بأربعة لواوين، كل ليوان لا يشبه الآخر، وفي وسط القصر فسقية من الذهب الأحمر وعليها صور سباع من الذهب، والماء يجري من أفواهها، فنظرَا شيئًا يحيِّر الأفكار، والليوان الذي في الصدر مفروش بالبسط المنسوجة بالحرير الملوَّن، وفيه كرسيان من الذهب الأحمر مرصَّعان بالدر والجوهر، فعند ذلك قعد مرعش وغريب على كرسي برقان، وعملَا في قصر الذهب موكبًا عظيمًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: يا أختي، ما أحسن حديثك وألذه وأعذبه! فقالت: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.