فلما كانت الليلة ٦٥٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن مرعشًا وغريبًا جلَسَا على كرسي برقان وأوكَبَا موكبًا عظيمًا، وبعد ذلك قال غريب لمرعش: أي شيء دبَّرْتَ من الرأي؟ قال: يا ملك الإنس، قد أرسلت مائة فارس يكشفون لي خبر برقان في أي مكان هو حتى نسير خلفه. ثم قعدا في قصر الذهب ثلاثة أيام حتى وصل المَرَدة ورجعوا خبَّروا أن برقان سار إلى جبل قاف، واستجار بالملك الأزرق فأجاره، فقال مرعش لغريب: ما تقول يا أخي؟ قال: إن لم نهجم عليهم يهجموا علينا. ثم أمر مرعش وغريب العسكر أن يأخذوا الأهبة للسفر بعد ثلاثة أيام؛ فأصلحوا أحوالهم وأرادوا أن يرحلوا، وإذا هم بالمَرَدة الذين وصلوا سهيمًا والهدايا قد أقبلوا على غريب وقبَّلوا الأرض، فسألهم عن قومه فقالوا له: إن أخاك عجيبًا لما هرب من الوقعة ذهب إلى يعرب بن قحطان، وقصد بلاد الهند ودخل على ملكها، وحكى له ما جرى له من أخيه واستجار به، فأجاره وأرسل كتبه إلى جميع عمَّاله، فاجتمع عسكره مثل البحر الزاخر ما له أول من آخِر، وهو عازم على خراب العراق. فلما سمع غريب كلامه قال: تعس الكفَّار، فإن الله تعالى ينصر الإسلام، وسوف أريهم ضربًا وطعانًا. ثم قال مرعش: يا ملك الإنس، وحق الاسم الأعظم لا بد أن أسير معك إلى ملكك وأهلك أعداءك وأبلغك هناك. فشكره غريب وباتوا على نية الرحيل، إلى أن أصبح الصباح، فرحلوا وصاروا قاصدين جبل قاف ومشوا يومهم، وبعد ذلك ساروا قاصدين القصر الأبلق ومدينة المرمر، وكانت هذه المدينة مبنية بالحجارة والمرمر، بناها بارق بن فاقع أبو الجن، وبنى القصر الأبلق، وسُمِّي بذلك لأنه مبني بطوبة من فضة وطوبة من ذهب، ما بُنِي مثله في سائر الأقطار.
فلما قربوا من مدينة المرمر، وبقي بينهم وبينها نصف يوم؛ نزلوا للراحة، فأرسل مرعش مَن يكشف له الأخبار، فغاب الساعي ثم عاد وقال له: يا ملك، إن في مدينة المرمر من أرهاط الجن عدد أوراق الشجر وقطر المطر. فقال الملك مرعش: أي شيء يكون العمل يا ملك الإنس؟ فقال غريب: يا ملك، قَسِّم قومك أربعة أقسام حول العسكر، ثم يقولون: الله أكبر. وبعد أن يصيحوا بالتكبير يتأخَّرون عنهم، ويكون ذلك الأمر في نصف الليل، وانظر ما يجري بين قبائل الجان. فأحضر مرعش قومه وفرَّقهم مثل ما قال غريب، فحملوا سلاحهم وصبروا حتى انتصف الليل، فساروا حتى داروا حول العسكر وصاحوا: الله أكبر، يا لدين الخليل إبراهيم عليه السلام. فانتبه الكفار مرعوبين من هذه الكلمة، وخطفوا سلاحهم ووقعوا في بعضهم، حتى لاح الفجر وقد فني أكثرهم وبقي أقلهم، فصاح غريب على الجن المؤمنين وقال: احملوا على مَن بقي من الكافرين، وها أنا معكم والله ناصركم. فحمل مرعش وصحبته غريب وجرَّدَ غريب سيفه الماحق الذي من سيوف الجن، فجدع الأنوف وهزم الصفوف، وقد ظفر ببرقان وضربه فأعدمه الحياة، ونزل مختضبًا بدمائه، ثم فعل بالملك الأزرق كذلك.
فلما أضحى النهار لم يَبْقَ من الكفار ديَّار ولا مَن يرد الأخبار، ودخل مرعش وغريب القصر الأبلق فرأيا حيطانه طوبة من ذهب وطوبة من فضة، وأعتابه من البلور، وهو معقود بالزمرد الأخضر، وفيه فسقية وشاذروان مفروش بالحرير المزركش بشرائط الذهب المرصَّع بالجوهر، ووجَدَا أموالًا لا تُحصَى ولا تُوصَف، ثم دخلا قاعة الحريم فوجَدَا فيها حريمًا ظريفًا، فنظر غريب إلى حريم الملك الأزرق فرأى في بناته بنتًا ما رأى أحسن منها، وعليها بدلة تساوي ألف دينار، وحولها مائة جارية ترفع أذيالها بكلاليب من الذهب، وهي مثل القمر بين النجوم؛ فلما رأى غريب هذه البنت، طاش عقله وحار، فقال لبعض تلك الجواري: مَن تكون هذه الجارية؟ فقالوا له: هذه كوكب الصباح بنت الملك الأزرق. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أطيب حديثك وأحسنه وأحلاه وأعذبه! فقالت لها: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.