فلما كانت الليلة ٦٥٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما سأل بعض الجواري وقال: مَن هذه الجارية؟ فقالوا له: هذه كوكب الصباح بنت الملك الأزرق. فالتفت غريب للملك مرعش وقال: يا ملك الجان، مرادي أن أتزوَّج بهذه البنت؟ فقال له الملك مرعش: القصر وما فيه من الأموال والأولاد كسب يدك، ولولا أنت عملتَ الحيلة حتى أهلكت برقان والملك الأزرق وقومهما، لَكانوا أهلكونا عن آخِرنا، فالمال مالك وأهله عبيدك. فشكره غريب على حسن كلامه وتقدَّم إلى البنت ونظر إليها وحقَّق النظر فيها، فأحَبَّها حبًّا شديدًا، ونسي فخرتاج بنت الملك سابور ملك العجم والترك والديلم، ونسي مهدية. وكانت والدةُ هذه البنتِ بنتَ ملك الصين، خطفها الملك الأزرق من قصرها وافتَضَّها، فعلقت منه وجاءت بهذه البنت، فمن حُسْنها وجمالها سمَّاها كوكب الصباح، وهي سيدة الملاح، فماتت أمها وهي بنت أربعين يومًا، فربَّتْها القوابل والخدام حتى صار لها من العمر سبع عشرة سنة، فجرى هذا الأمر وقُتِل أبوها وحبَّها غريب حبًّا شديدًا، وصافَحَها ودخل عليها من ليلته، فوجدها بكرًا، وكانت تبغض أباها وقد فرحت بقتله، وقد أمر غريب أن يُهدَم القصر الأبلق، فهدموه وفرَّقه غريب على الجان، فناب غريبًا إحدى وعشرون ألف طوبة من الذهب والفضة، ونابه من المال والمعادن ما لا يُحصَى ولا يُعَدُّ.
ثم إن الملك مرعشًا أخذ غريبًا وفرَّجَه على جبل قاف وعجائبه، وساروا قاصدين حصن برقان، فلما وصلوا إليه أخربوه وقسموا أمواله، وساروا إلى حصن مرعش فأقاموا فيه خمسة أيام، وطلب غريبٌ الرواحَ إلى بلاده، فقال مرعش: يا ملك الإنس، أنا أسير في ركابك حتى أوصلك إلى بلادك؟ فقال غريب: لا وحقِّ الخليل إبراهيم ما أخليك تتعب سرك، ولن آخذ من قومك سوى الكيلجان والقورجان. فقال مرعش: يا ملك، خذ عشرة آلاف فارس من الجن يكونون معك في خدمتك. فقال غريب: ما آخذ إلا ما أخبرتك به. فأمر مرعش ألف مارد أن يحملوا ما ناب غريبًا من الغنيمة ويصحبوه إلى ملكه، وأمر الماردين الكيلجان والقورجان أن يكونا مع غريب ويطيعاه، فقَالَا: سمعًا وطاعةً. ثم قال غريب للمَرَدة: احملوا أنتم المال وكوكب الصباح. وأراد غريب أن يرحل بركب جواده الطيَّار، فقال مرعش: هذا الجواد يا أخي لا يعيش إلا في أرضنا، وإن وصل إلى أرض الإنس مات، ولكن عندي جواد يجري وما يوجد له مثيل في أرض العراق وجميع الآفاق. ثم أمر بإحضار الجواد فأحضروه، فلما نظره غريب حال بينه وبين عقله، ثم كبلوا الجواد وحمله الكيلجان وحمل القورجان ما أطاقه.
ثم إن مرعشًا اعتنق غريبًا وبكى على فراقه وقال له: يا أخي، إذا حصل لك ما لا طاقة لك به، فأرسل إليَّ وأنا آتيك بعسكر يخربون الأرض وما عليها. فشكره غريب على معروفه وحسن إسلامه، وسار الماردان بغريب والجواد يومين وليلة، وقد قطَعَا مسيرة خمسين سنة حتى قربوا من مدينة عمان، فنزلوا قريبًا منها ليأخذوا الراحة، فالتفت غريب إلى الكيلجان وقال له: سِرْ واكشف لي خبر قومي. فسار المارد ثم عاد وقال: يا ملك، إن على مدينتك عسكر الكفَّار مثل البحر الزخار، وقومك تقاتلهم وقد دقوا طبول الحرب، والجمرقان برز لهم إلى الميدان. فلما سمع غريب هذا الكلام صاح: الله أكبر. وقال: يا كيلجان شد لي الحصان وقدم عُدَّتي والسنان، اليومَ يظهر الفارس من الجبان في مقام الحرب والطعان. فقام الكيلجان وقد أحضر له ما طلب، فأخذ عُدَّة الحرب وتقلَّدَ بسيف يافث بن نوح، وركب الجواد البحري وقصد العساكر والجنود، فقال الكيلجان والقورجان: أَرِحْ قلبك ودَعْنا نسير إلى الكفَّار فنشتِّتهم في البراري والقفار، حتى لا يبقى منهم ديَّار ولا نافخ نار، بعون الله العليِّ الجبَّار. فقال لهم غريب: وحقِّ الخليل إبراهيم ما أخليكم تقاتلون إلا وأنا على ظهر جوادي. وقد كان لمجيء هذه العساكر سبب عجيب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.