فلما كانت الليلة ٦٦٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما قال للكيلجان: سِرْ واكشفْ لي خبر قومي. فرجع وقال: إن على مدينتك عسكرًا كثيرًا. وكان السبب في مجيئهم أن عجيبًا لما أتى بعسكر يعرب بن قحطان، وحاصَرَ المسلمين، وخرج الجمرقان وسعدان وجاءهم الكيلجان والقورجان، وكسروا عساكر الكفار وهرب عجيب، قال: يا قوم، إن رجعتم إلى يعرب بن قحطان وقد قُتِل قومه يقول: يا قوم، لولا أنتم ما قُتِل قومي، فيقتلنا عن آخِرنا، والرأي عندي أن تسيروا إلى بلاد الهند وندخل على الملك طركنان فيأخذ بثأرنا. فقال له قومه: سِرْ بنا باركَتِ النار فيك. فساروا أيامًا وليالي حتى وصلوا إلى مدينة الهند، واستأذنوا في الدخول على الملك طركنان، فأذن لعجيب في الدخول، فدخل وقبَّلَ الأرض ودعا له بدعاء الملوك وقال: يا ملك، أَجِرْني أجارَتْك النار ذات الشرر، وحماك الدجى بالظلام المعتكر. فلما نظر ملك الهند إلى عجيب قال له: مَن أنت؟ وما تريد؟ قال له: أنا عجيب ملك العراق، وقد جار عليَّ أخي، وقد تبع دين الإسلام وأطاعته العباد وقد مَلَك البلاد، ولم يزل يطردني من أرضٍ إلى أرضٍ، وها أنا أتيتُ إليك أستجير بك وبهمتك. فلما سمع ملك الهند كلامَ عجيب قام وقعد وقال: وحقِّ النار لآخذن بثأرك ولا أدع أحدًا يعبد غير النار. ثم إنه صاح على ولده وقال له: يا ولدي، هيِّئ حالك واذهب إلى العراق، وأهلك كلَّ مَن فيها، واربط الذين لا يعبدون النار وعذِّبهم ومثِّلْ بهم ولا تقتلهم وائتني بهم عندي حتى أصنع في عذابهم أنواعًا، وأذيقهم الهوان وأتركهم عِبرةً لمَن اعتبر في هذا الزمان. ثم اختار معه ثمانين ألف مقاتل على الخيل، وثمانين ألف مقاتل على الزرافات، وبعث معهم عشرة آلاف فيل، كلُّ فيل عليه تخت من الصندل مشبك بقضبان الذهب وصفائحه، ومساميره من الذهب والفضة، وفي كل تخت سرير من الذهب والزمرد، وأرسل معهم تخوت السلاح، في كل تخت ثماني رجال يقاتلون بسائر السلاح.
وكان ابن الملك شجاع الزمان ما له في شجاعته نظير، وكان اسمه رعد شاه، وجهَّزَ نفسه في عشرة أيام، وساروا مثل قطع الغمام مدة شهرين من الزمان حتى وصلوا مدينة عمان وداروا حولها، وعجيب فرحان ويظن أنه ينتصر، وقد خرج الجمرقان وسعدان وجميع الأبطال في حومة الميدان، ودقَّتِ الطبول وصهلت الخيول، وأشرف على ذلك الكيلجان، ورجع أخبر الملك غريب وركب كما ذكرنا، وساق جواده ودخل بين الكفار ينتظر مَن يبرز له ويفتح باب الحرب، فبرز سعدان الغول وطلب البراز، فبرز له بطل من أبطال الهند فما أمهله سعدان في الثبات قدامه حتى ضربه بالعامود، فهشَّمَ عظمه وصار على الأرض ممدودًا، فبرز له ثانٍ فقتله، وثالث فجندله، ولم يزل سعدان يقتل حتى قتل ثلاثين بطلًا، فعند ذلك برز له بطل من الهند اسمه بطاش الأقران، وكان فارس الزمان، يُعَدُّ بخمسة آلاف فارس في الميدان للحرب والطعان، وهو عم الملك طركنان، فلما برز بطاش لسعدان قال له: يا شلح العرب، هل بلغ من قدرك أن تقتل ملوك الهند وأبطالها وتأسر فرسانها؟ اليوم آخِر أيامك من الدنيا. فلما سمع سعدان هذا الكلام احمرَّتْ عيناه وهجم على بطاش فضربه بالعمود، فخابت الضربة ولفَّ سعدان مع العمود فوقع على الأرض، فما أفاق إلا وهو مكتَّف مقيَّد، فسحبوه إلى خيامهم، فلما نظر الجمرقان إلى صاحبه أسيرًا قال: يا لدين الخليل إبراهيم، ولكز جواده وحمل على بطاش الأقران فتجاوَلَا ساعة، ثم هجم بطاش على الجمرقان فجذبه من جلبات ذراعه واقتلعه من سرجه ورماه على الأرض، فكتَّفوه وسحبوه إلى خيامهم، ولم يزل بطاش يبرز له مقدم حتى أسَرَ من المسلمين أربعة وعشرين مقدمًا، فلما نظر المسلمون إلى ذلك، اغتمُّوا غمًّا شديدًا، فلما نظر غريب ما حلَّ بأبطاله، سحب من تحت ركبته عمودًا من الذهب وزنه مائة وعشرون رطلًا، وهو عمود برقان ملك الجان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أحلى حديثك وأطيبه وأحلاه وأعذبه! فقالت لها: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.