فلما كانت الليلة ٦٦١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك غريبًا لما نظر ما حلَّ بأبطاله، سحب عمودًا من الذهب كان لبرقان ملك الجان، ثم ساق جواده البحري فجرى تحته مثل هبوب الريح، واندفع حتى صار في وسط الميدان وصاح: الله أكبر، فتح ونصر وخذل مَن كفر بدين إبراهيم الخليل. ثم حمل على بطاش وضربه بالعمود فوقع على الأرض، فالتفت نحو المسلمين ونظر إلى أخيه سهيم الليل وقال له: كتِّفْ هذا الكلب. فلما سمع سهيم كلام غريب اندفع على بطاش فشدَّ وثاقه وأخذه وصار أبطال المسلمين يتعجبون من ذلك الفارس، وصار الكفار يقولون لبعضهم: مَن هذا الفارس الذي خرج من بينهم وأسَرَ صاحبنا؟ كل هذا وغريب يطلب البراز، فبرز له مقدم من الهنود، فضربه غريب بالعمود فوقع على الأرض ممدودًا، فكتَّفه الكيلجان والقورجان وسلَّماه إلى سهيم، ولم يزل غريب يأسر بطلًا بعد بطل حتى أسر اثنين وخمسين بطلًا مقدمين أعيانًا وقد فرغ النهار، فدقوا طبول الانفصال وطلع غريب من الميدان وقصد عسكر المسلمين، وكان أول مَن لاقاه سهيم، فقبَّلَ رجله في الركاب وقال له: لا شُلَّتْ يداك يا فارس الزمان، فأخبرنا مَن أنت مِن الشجعان؟ فعند ذلك رفع البرقع الزرد عن وجهه، فعرفه وقال سهيم: يا قوم، هذا ملككم وسيدكم غريب، وقد أتى من أرض الجان. فلما سمع المسلمون بذِكْر ملكهم، رموا أرواحهم عن ظهور الخيل وقَدِموا إليه وقبَّلوا رجلَيْه في الركاب، وسلموا عليه وفرحوا بسلامته ودخلوا به إلى مدينة عمان، ونزل على كرسي مملكته، ودار قومه حوله في غاية الفرح، ثم قدَّموا الطعام فأكلوا، وبعد ذلك حكى لهم جميع ما جرى له في جبل قاف من قبائل الجان، فتعجبوا غاية العجب وحمدوا الله على سلامته.
وكان الكيلجان والقورجان لا يفارقان غريبًا، ثم أمر غريب قومه بالانصراف إلى مراقدهم فتفرَّقوا إلى بيوتهم، ولم يَبْقَ عنده إلى الماردان، فقال لهما: هل تقدران أن تحملاني إلى الكوفة لأتملَّى بحريمي وترجعَا بي في آخِر الليل؟ فقالا: يا مولانا هذا أهون ما طلبت. وكان بين الكوفة وعمان ستون يومًا للفارس المجد، فقال الكيلجان للقورجان: أنا أحمله في الذهاب وأنت تحمله في المجيء. فحمله الكيلجان وحاذاه القورجان، فما كان إلا ساعة حتى وصلوا الكوفة وعدلوا به إلى باب القصر، فدخل على عمه الدامغ، فلما رآه قام له وسلَّمَ عليه ثم قال له: كيف حال زوجتي فخرتاج وزوجتي مهدية؟ قال: إنهما طيِّبتان بخير وعافية. ثم دخل الخادم فأخبر الحريم بمجيء غريب، ففرحوا وزلغطوا ووهبوا للخادم بشارته، ثم دخل الملك غريب فقاموا له وسلموا عليه، ثم بعد ذلك تحدَّثوا وحضر الدامغ فحكى له ما جرى له مع الجن، فتعجب الدامغ والحريم ونام بقية الليل مع فخرتاج إلى أن قرب الفجر، فخرج إلى الماردين وودَّعَ أهله وحريمه وعمه الدامغ، ثم ركب ظهر القورجان وحاذاه الكيلجان، فما انكشف الظلام إلا وهو في مدينة عمان، ولبس آلة حربه وكذلك قومه، وأمر بفتح الأبواب، وإذا بفارس قد وصل من عسكر الكفَّار ومعه الجمرقان وسعدان الغول والمقدمون المأسورون، وقد خلصهم ثم سلَّمهم لغريب ملك المسلمين، ففرح المسلمون بسلامتهم، ثم تدرعوا وركبوا وقد دقوا كئوس الحرب واعتدوا للطعن والضرب، وركب الكفار واصطفوا صفوفًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أحسن هذا الحديث وأطيبه وأحلاه وأعذبه! فقالت: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.