فلما كانت الليلة ٦٦٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عسكر المسلمين لما ركبوا في الميدان للحرب والطعان، فأول مَن فتح باب الحرب الملك غريب، وسحب سيفه الماحق وهو سيف يافث بن نوح عليه السلام، وساق جواده بين الصفين ونادى: مَن عرفني فقد اكتفى شرِّي، ومَن لم يعرفني فأنا أعرِّفه بنفسي، أنا الملك غريب ملك العراق واليمن، أنا غريب أخو عجيب. فلما سمع رعد شاه ابن ملك الهند كلامَ غريب، صاح على المقدمين وقال: ائتوني بعجيب. فأتوا به، فقال له: أنت تعلم بأن هذه الفتنة فتنتك وأنت كنت السبب فيها، وهذا أخوك في حومة الميدان ومقام الحرب والطعان، فاخرج له وائتني به أسيرًا حتى أركبه على جمل بالمقلوب، وأمثِّل به حتى أصل إلى بلاد الهند. فقال له عجيب: يا ملك، أرسِلْ له غيري، فإني أصبحت ضعيفًا. فلما سمع رعد شاه كلامه شخر ونخر وقال: وحقِّ النار ذات الشرور، والنور والظل والحرور، إن لم تخرج إلى أخيك وتأتني به سريعًا، قطعت رأسك وأخمدت أنفاسك. فخرج عجيب وساق جواده وقد شجَّع قلبه وقارب أخاه في حومة الميدان وقال له: يا كلب العرب، وأخس من دق طنب، أتضاهي الملوك؟ فخذ ما جاءك وأبشر بموتك. فلما سمع الملك غريب هذا الكلام قال له: مَن أنت من الملوك؟ قال له: أنا أخوك، فاليوم آخِر أيامك من الدنيا. فلما تحقَّقَ غريب أنه أخوه عجيب صاح وقال: يا لثأر أبي وأمي! ثم أعطى الكيلجان سيفه، وحمل عليه وضربه بالدبوس ضربة جبَّار عنيد كادت أن تُخرِج أضلاعه، وقبضه من أطواقه وجذبه فاقتلعه من سرجه وضرب به الأرض، فاندفع عليه الماردان وشدَّا وثاقه ثم قادَاه ذليلًا حقيرًا؛ كل هذا وغريب قد فرح بأسر عدوه، وأنشد قول الشاعر:
فلما نظر رعد شاه ما حلَّ بعجيب من أخيه غريب، دعا بجواده ولبس آلة حربه وجلبابه، وخرج إلى الميدان وساق جواده إلى أن قارَبَ الملك غريبًا في مقام الحرب والطعان، وصاح عليه وقال: يا أخس العرب وحمَّال الحطب، بلغ من قدرك أن تأسر الملوك والأبطال؟ فانزل عن جوادك وكتِّفْ نفسك وقبِّلْ رجلي وأطلق أبطالي، وسِرْ معي إلى ملكي وأنت مقيَّد مسلسَل، حتى أعفو عنك وأجعلك شيخ بلادنا، تأكل فيها لقمة الخبز. فلما سمع غريب منه هذا الكلام ضحك حتى استلقى على قفاه وقال له: يا كلب أكلب، وذئب أجرب، سوف تنظر من تدور عليه الدوائر. ثم صاح على سهيم وقال له: ائتني بالأسارى. فأتاه بهم فضرب رقابهم، فعند ذلك حمل رعد شاه على غريب حملة صنديد، وصدمه صدمة جبَّار عنيد، ولم يزالا في كرٍّ وفرٍّ وصدام، حتى هجم الظلام، فدقوا طبول الانفصال. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أحسن هذا الحديث وأطيبه وأحلاه وأعذبه! فقالت: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.