فلما كانت الليلة ٦٦٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنهم لما دقوا طبول الانفصال، وافترقا من بعضهما، ذهب كل ملك إلى موضعه فهنوهما بالسلامة، فقال المسلمون للملك غريب: ما هي عادتك يا ملك أن تطاول في القتال! فقال: يا قوم، قاتلتُ الأبطال والأفيال، فما رأيت أحسن ضربًا من هذا البطل، وكنت أردتُ أن أسحب سيف يافث وأضربه فأهشِّم عظامه وأفني أيامه، ولكن طاولته ظنًّا مني أني آخذه أسيرًا، ويكون له حظ في الإسلام.
هذا ما كان من أمر غريب، وأما ما كان من أمر رعد شاه، فإنه دخل السرادق وجلس على سريره، ودخل عليه كبراء قومه فسألوه عن خصمه فقال لهم: وحقِّ النار ذات الشر، ما رأيت عمري مثل هذا البطل، وفي غدٍ آخذه أسيرًا وأقوده ذليلًا حقيرًا. وباتوا إلى الصباح، فدقوا طبول الحرب واعتدوا للطعن والضرب، وتقلَّدُوا الصفاح، وأقاموا الصياح، وركَبَا الجرد القوارح، وخرجوا من الخيام فملئوا الأرض والآكام والبطاح والأماكن الفساح، وكان أول مَن فتح باب الحرب والطعان الفارس المقدام والأسد الضرغام الملك غريب، فجال وصال وقال: هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ لا يخرج لي اليومَ كسلان ولا عاجز. فما استتم كلامه حتى برز له رعد شاه وهو راكب على فيل كأنه قبة عظيمة، وعلى ظهر الفيل تخت مخرم بشرائط حرير، والفيَّال راكب بين آذان الفيل، وفي يده كلَّاب يضرب به الفيل، ويهتز يمينًا وشمالًا، فلما قرب الفيل من جواد غريب وقد نظر الجواد شيئًا ما رآه قطُّ فجفل منه، فنزل غريب عنه وسلَّمَه للكيلجان وسحب سيفه الماحق وتقدَّمَ نحو رعد شاه ماشيًا على أقدامه حتى صار قدام الفيل، وكان رعد شاه إذا رأى نفسه مغلوبًا مع بطل من الأبطال يركب في تخت الفيل، ويأخذ معه شيئًا اسمه الوهق، وهو في هيئة الشبكة واسع من أسفل وضيق من فوق، وفي ذيله حلق وفيه قنب حرير، فيقصد الفارس والفرس ويضعه عليهما ويسحب القنب، فينزل عن الجواد راكِبُه، فيأخذه أسيرًا وقد قهر الفرسان بهذا الشأن. فلما قارب غريب رفع يده بالوهق وفرشه على غريب، فانتشر عليه وسحبه فصار عنده على ظهر الفيل، وصاح على الفيل أن يرد إلى عسكره، وكان الكيلجان والقورجان ما يفارقان غريبًا، فلما رأيَا ما حلَّ بصاحبهما أمسكا الفيل، كل هذا وغريب قد تمطع في الوهق فمزَّقَه، وهجم الكيلجان والقورجان على رعد شاه وكتَّفَاه وقاداه في حبل ليف، وقد حمل الناس على بعضهم كأنهم بحران يلتطمان أو جبلان يصطدمان، والغبار قد طلع إلى عنان السماء، وعاين العسكران العمى وقوي الحرب وسالت الدماء، ولم يزالوا في حرب شديد وطعن أكيد، وضرب ما عليه من مزيد، حتى ولَّى النهار وأقبل الليل بالاعتكار، فدقوا طبول الانفصال، وافترقوا من بعضهم.
وكان المسلمون حاضرين في ذلك اليوم، وقد قُتِل منهم جماعة كثيرة وجُرِح أكثرهم، وذلك من ركاب الفِيَلة والزرافات، فصعبوا على غريب، فأمر أن يُدَاوَى الجرحى، والتفت إلى كبار جماعته وقال: ما عندكم من الرأي؟ قالوا: يا ملك، ما ضرنا إلا الفِيَلة والزرافات، فلو سلمنا منهم كنَّا غلبناهم. فقال الكيلجان والقورجان: نحن الاثنان نسحب سيوفنا ونهجم عليهم فنقتل أكثرهم. فتقدَّمَ رجل من أهل عمان، وكان صاحب رأي عند الجلند وقال: يا ملك، ضمان هذا العسكر عليَّ إذا طاوعتَني وسمعتَ مني. فالتفت غريب إلى المقدمين وقال: مهما قاله لكم هذا المعلم فأطيعوه. فقالوا: سمعًا وطاعةً. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.