فلما كانت الليلة ٦٦٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك غريبًا والجمرقان وسعدان الغول ورعد شاه لما حملهم الماردان، وقصَدَا بهم أرض الهند، وكان المسير وقت الغروب، فما جاء آخِر الليل إلا وهم في كشمير، فأنزلاهم في قصر وانحدروا من سلالم القصر، وكان طركنان بلغه الخبر من المنهزمين بما جرى لابنه وعسكره، وأنهم في همٍّ عظيم، وأن ابنه لا ينام ولا يلتذُّ بشيء، فصار متفكِّرًا في أمره وما جرى له، وإذا بالجماعة دخلوا عليه، فلما نظر الملك ابنه ومَن معه بُهِت، وأخذه الفزع من المَرَدة، والتفت إليه ابنه رعد شاه فقال له: إلى أين يا غدار، يا عابد النار، يا ويلك، فاترك عبادة النار واعبد الملك الجبَّار، خالق الليل والنهار، الذي لا تدركه الأبصار. فلما سمع أبوه هذا الكلام، كان معه دبوس حديد فرماه به، فخلا عنه ووقع في ركن القصر، فهدم ثلاثة أحجار وقال له: يا كلب، أهلكت العساكر وضيَّعْتَ دينك وجئتَ تُخرِجني من ديني؟ فتلقَّاه غريب ولكمه في عنقه فرماه، فشد الكيلجان والقورجان وثاقه وهرب الحريم جميعًا. ثم إنه جلس على كرسي مملكته وقال لرعد شاه: اعدل أباك. فالتفت إليه وقال له: يا شيخ الضلال، أسلم تسلم من النار ومن غضب الجبَّار. فقال طركنان: ما أموت إلا على ديني. فعند ذلك سحب غريب سيفه الماحق وضربه به، فوقع على الأرض شطرين، وعجَّلَ الله بروحه إلى النار وبئس القرار، ثم أمر بتعليقه على باب القصر، فعلَّقوه وجعلوا شطرًا يمينًا وشطرًا شمالًا، وباتوا حتى فرغ النهار، فأمر غريب رعد شاه أن يلبس بدلة الملك، فلبس وجلس على تخت أبيه، وقعد غريب عن يمينه، ووقف الكيلجان والقورجان والجمرقان وسعدان الغول يمينًا وشمالًا، وقال لهم الملك غريب: كلُّ مَن دخل من الملوك اربطوه ولا تخلوا مقدمًا ينفلت من أيديكم. فقالوا: سمعًا وطاعةً.
ثم بعد ذلك طلع المقدمون وقصدوا الملك لأجل الخدمة، فأول مَن طلع المقدم الكبير، فنظر الملك طركنان معلَّقًا شطرين، فاندهش وحار ولحقه الانبهار، فهمَّ عليه الكيلجان وجذبه من أطواقه فرماه وكتَّفه، ثم جذبه إلى داخل القصر، ثم ربطه وسحبه، فما طلعت الشمس حتى ربط ثلاثمائة وخمسين مقدمًا، وأوقفهم بين يدي غريب فقال لهم: يا قوم، هل نظرتم ملككم وهو معلَّق على باب القصر؟ فقالوا: مَن فعل به هذه الفعال؟ فقال غريب: أنا فعلتُ به ذلك بعون الله تعالى، ومَن خالفني فعلتُ به مثله. فقالوا: ما تريد منَّا؟ فقال: أنا غريب ملك العراق، أنا الذي أهلكتُ أبطالكم، وإن رعد شاه دخل في دين الإسلام، وصار ملكًا عظيمًا وحاكمًا عليكم، فأسلموا تسلموا، ولا تخالفوا تندموا. فنطقوا بالشهادة وكُتِبوا من أهل السعادة، فقال غريب: هل صحَّتْ في قلوبكم حلاوة الإيمان؟ قالوا: نعم. فأمر بحلهم فحلوهم، فخلع عليهم وقال لهم: امضوا إلى قومكم واعرضوا عليهم الإسلام، فمَن أسلم فأبقوه ومَن أبَى فاقتلوه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح، فقالت لها أختها: ما أحلى هذا الحديث وأطيبه وأعذبه! فقالت: وأين هذا ممَّا أحدِّثكم به الليلة القابلة إنْ عشتُ وأبقاني الملك؟ فقال الملك في نفسه: والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها.