فلما كانت الليلة ٥٤٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن المركب الذي نزل فيه السندباد البحري رسا على جزيرة، فنزل منه جميع التجار والركاب، وأطلعوا بضائعهم ليبيعوا ويشتروا. قال السندباد البحري: فالتفَتَ إليَّ صاحبُ المركب وقال لي: اسمع كلامي أنت رجل غريب فقير، وقد أخبرتنا أنك قاسيتَ أهوالًا كثيرة، ومرادي أنفعك بشيء يُعِينك على الوصول إلى بلادك، وتبقى تدعو لي. فقلت له: نعم، ولك مني الدعاء. فقال: اعلم أنه كان معنا رجل مسافر فقدناه، ولم نعلم هل هو بالحياة أم مات؟ ولم نسمع عنه خبرًا، ومرادي أن أدفع لك حموله لتبيعها في هذه الجزيرة وتحفظها، ونعطيك شيئًا في نظير تعبك وخدمتك، وما بقي منها نأخذه إلى أن نعود إلى مدينة بغداد، فنسأل عن أهله، وندفع إليهم بقيتها، وثمن ما بِيعَ منها، فهل لك أن تتسلمها، وتنزل بها هذه الجزيرة، فتبيعها مثل التجار؟ فقلت: سمعًا وطاعةً لك يا سيدي، ولك الفضل والجميل. ودعوت له وشكرته على ذلك، فعند ذلك أمر الحمَّالين والبحرية بإخراج تلك البضائع إلى الجزيرة، وأن يسلموها إليَّ، فقال كاتب المركب: يا ريس، ما هذه الحمول التي أطلعها البحرية والحمَّالون؟ واكتبها باسم مَن مِن التجار؟ فقال: اكتب عليها اسم السندباد البحري الذي كان معنا، وغرق في الجزيرة، ولم يأتنا عنه خبر، فنريد أن هذا الغريب يبيعها، ويحمل ثمنها، ونعطيه شيئًا منه نظير تعبه وبيعه، والباقي نحمله معنا حتى نرجع إلى مدينة بغداد، فإن وجدناه أعطيناه إياه، وإن لم نجده ندفعه إلى أهله في مدينة بغداد. فقال الكاتب: كلامك مليح، ورأيك رجيح.
فلما سمعت كلام الريس وهو يذكر أن الحمول باسمي، قلت في نفسي: والله أنا السندباد البحري، وأنا غرقت في الجزيرة مع جملة مَن غرق. ثم إني تجلَّدْتُ وصبرت إلى أن طلع التجار من المركب، واجتمعوا يتحدَّثون ويتذاكرون في أمور البيع والشراء، فتقدَّمْتُ إلى صاحب المركب، وقلت له: يا سيدي، هل تعرف كيف كان صاحب الحمول التي سلَّمْتَها إليَّ لأبيعها؟ فقال لي: لا أعلم له حالًا، ولكنه كان رجلًا من مدينة بغداد يقال له السندباد البحري، وقد أرسينا على جزيرة من الجزائر، فغرق منَّا فيها خلق كثير، وفُقِد بجملتهم، ولم نعلم له خبرًا إلى هذا الوقت. فعند ذلك صرختُ صرخةً عظيمة، وقلت له: يا ريس السلامة، اعلم أني أنا السندباد البحري لم أغرق، ولكن لما أرسيت على الجزيرة، وطلع التجار والركاب طلعتُ أنا مع جملة الناس، ومعي شيء آكله بجانب الجزيرة، ثم إني تلذذت بالجلوس في ذلك المكان، فأخذتني سِنَة من النوم فنمتُ وغرقتُ في النوم، ثم إني قمت فلم أجد المركب، ولم أجد أحدًا عندي، وهذا المال مالي، وهذه البضائع بضائعي، وجميع التجار الذين يجلبون حجر الماس رأوني وأنا في جبل الماس، ويشهدون لي بأني أنا السندباد البحري كما أخبرتهم بقصتي، وما جرى لي معكم في المركب، وأخبرتهم بأنكم نسيتموني في الجزيرة نائمًا، وقمتُ فلم أجد أحدًا، وجرى لي ما جرى. فلما سمع التجار والركاب كلامي اجتمعوا عليَّ، فمنهم مَن صدَّقني، ومنهم مَن كذبني.
فبينما نحن كذلك، وإذا بتاجر من التجار حين سمعني أذكر وادي الماس نهض وتقدَّمَ عندي، وقال لهم: اسمعوا يا جماعة كلامي، إني لما كنتُ ذكرتُ لكم أعجب ما رأيت في أسفاري، لما ألقينا الذبائح في وادي الماس، وألقيت ذبيحتي معهم على جري عادتي، طلع في ذبيحتي رجل متعلِّق بها، ولم تصدِّقوني بل كذبتموني. فقالوا: نعم، حكيتَ لنا على هذا الأمر، ولم نصدقك. فقال لهم التاجر: هذا الرجل الذي تعلَّقَ في ذبيحتي، وقد أعطاني شيئًا من حجر الماس الغالي الثمن الذي لا يوجد نظيره، وعوَّضَني أكثر ما كان يطلع لي في ذبيحتي، وقد استصحَبْتُه معي إلى أن وصلنا إلى مدينة البصرة، وبعد ذلك توجَّهَ إلى بلاده، وودَّعَنا، ورجعنا إلى بلادنا، وهو هذا، وأعلمنا أن اسمه السندباد البحري، وقد أخبرنا بذهاب المركب وجلوسه في هذه الجزيرة، واعلموا أن هذا الرجل ما جاءنا هنا إلا لتصدِّقوا كلامي مما قلته لكم، وهذه البضائع كلها رزقه، فإنه أخبرنا بها في وقت اجتماعه علينا، وقد ظهر صدقه في قوله. فلما سمع الريس كلام ذلك التاجر قام على حيله، وجاء عندي، وحقق فيَّ النظرَ ساعةً، وقال: ما علامة بضائعك؟ فقلت له: اعلم أن علامة بضائعي ما هو كذا وكذا. وقد أخبرته بأمرٍ كان بيني وبينه لما نزلتُ معه المركب من البصرة، فتحقَّقَ أني أنا السندباد البحري فعانَقَني، وسلَّمَ عليَّ، وهنَّأني بالسلامة، وقال لي: والله يا سيدي، إن قصتك عجيبة، وأمرك غريب، ولكن الحمد لله الذي جمع بيننا وبينك، وردَّ بضائعك ومالك عليك. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.