فلما كانت الليلة ٦٦٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الملك غريبًا لما خلع على أخيه سهيم خلعة وجعله سلطانًا فيها، أقام عنده عشرة أيام ثم رحل، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا إلى حصن سعدان الغول، فاستراحوا خمسة أيام، ثم إن غريبًا قال للكيلجان والقورجان: امضيَا إلى إسبانير المدائن وادخلا قصر كسرى، واكشفا لي خبر فخرتاج، وهاتيا لي رجلًا من أقارب الملك يخبرني بما جرى. فقالا: سمعًا وطاعةً. ثم إنهما سارَا الاثنان إلى إسبانير المدائن، فبينما هما سائران بين السماء والأرض، وإذا هما بعسكر جرار مثل البحر الزاخر، فقال الكيلجان لقورجان: انزل بنا لنكشف خبر هذا العسكر، فنزلا ومشيا بين العساكر، فوجداهم أعجامًا، فسألا بعض الرجال: مَن هذا العسكر؟ وإلى أين سائرون؟ فقالوا لهما: إلى غريب نقتله ونقتل كلَّ مَن معه. فلما سمعا هذا الكلام توجَّهَا إلى سرادق الملك المقدم عليهم وكان اسمه رستم، وصبرا حتى نام الأعجام في مراقدهم، ونام رستم على تخته، فحملوه بتخته وتجاوزا الحصن، فما جاء نصف الليل إلا وهم في خيام الملك غريب، فعند ذلك تقدَّمَا إلى باب السرادق وقالا: دستور. فلما سمع غريب ذلك الكلام جلس وقال: ادخلوا. فدخلا بذلك التخت ورستم راقد عليه، فقال لهم غريب: مَن يكون هذا؟ فقالا: هذا ملك من ملوك العجم، ومعه عسكر عظيم، وقد أتى يريد قتلك أنت وقومك، وقد جئناك به ليخبرك عمَّا تريد. فقال غريب: ائتوني بمائة بطل. فأتوا بهم، فقال: اسحبوا سيوفكم وقفوا على رأس هذا العجمي. ففعلوا ما أمرهم به ونبَّهوه، ففتح عينيه فوجد على رأسه قبة من سيوف، فغمض عينيه وقال: أي شيء هذا المنام القبيح؟ فوكزه الكيلجان بذباب السيف فقعد، فقال له رستم: أين أنا؟ فقال: أنت في حضرة الملك غريب صهر ملك العجم، فما اسمك؟ وإلى أين تذهب؟ فلما سمع اسم غريب تفكَّرَ وقال في نفسه: هل أنا نائم أم يقظان؟ فضربه سهيم وقال له: لِمَ لا ترد الكلام. فرفع رأسه وقال: مَن أتى بي من خيمتي وأنا بين رجالي؟ فقال غريب: جاء بك هذان الماردان. فلما نظر إلى الكيلجان والقورجان تغوَّطَ في لباسه، فهمَّ عليه الماردان وقد كشَّرَا عن أنيابهما وسحبا سيوفهما وقالا له: أَمَا تتقدَّم تقبِّل الأرض قدام الملك غريب؟ فارتعب من الماردين وتحقَّقَ أنه غير نائم، فوقف على أقدامه وقبَّلَ الأرض وقال: باركت النار فيك، وطال عمرك يا ملك. فقال غريب: يا كلب العجم، النار ليست معبودًا؛ لأنها تضر ولا تنفع إلا للطعام. فقال: فمَن هو المعبود؟ فقال غريب: المعبود الذي خلَّقك وصوَّرك وخلق السموات والأرض. فقال الأعجمي: فما أقول حتى أصير من حزب ذلك الرب وأدخل في دينكم؟ فقال غريب: تقول لا إله إلا الله إبراهيم خليل الله. فنطق بالشهادة، فكُتِب من أهل السعادة وقال: اعلم يا مولاي أن صهرك الملك سابور طلب قتلك، وقد بعثني في مائة ألف، وأمرني ألَّا أُبقِي منكم أحدًا.
فلما سمع غريب كلامه قال: أهذا جزائي حيث خلَّصْتُ ابنته من الضيق ومن الردى؟ ولكن يجازيه الله بما أضمره، ولكن فما اسمك؟ قال: رستم مقدم سابور. فقال له غريب: وكذلك مقدم عسكري. ثم قال له: يا رستم، كيف حال الملكة فخرتاج؟ فقال له: تعيش رأسك يا ملك الزمان. فقال: ما سبب موتها؟ قال: يا مولاي، لما سرتَ إلى أخيك، أتَتْ جاريةٌ للملك سابور صهرك وقالت له: يا سيدي، أأنت أمرتَ غريبًا أن ينام عند سيدتي فخرتاج؟ قال: لا وحقِّ النار. ثم إنه سحب سيفه ودخل عليها وقال لها: يا خبيثة، كيف خلَّيْت هذا البدوي ينام عندك، ولا أعطاك مهرًا ولا عمل عُرْسًا؟ قالت له: يا أبتِ، أنت أذنت له أن ينام عندي. فقال لها: هل قرب منكِ؟ فسكتَتْ وأطرقَتْ رأسها إلى الأرض. فصاح على القوابل والجواري وقال لهن: كتِّفْنَ هذه العاهرة وابصرن فَرْجها. فكتَّفْنَها وأبصرْنَ فَرْجها وقلن: يا ملك، قد ذهبَتْ بكارتها. فحمل عليها وأراد قتلها، فقامت أمها ومنعت عنها وقالت: يا ملك، لا تقتلها فتبقى معيَّرة، ولكن احبسها في مخدع حتى تموت. فحبسها حتى هجم الليل، فأرسلها مع اثنين من خواصه وقال لهما: ابعدا بها وألقياها في بحر جيحون ولا تخبرَا أحدًا. ففعَلَا ما أمرهما وقد خفي ذِكْرها ومضى زمانها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.