فلما كانت الليلة ٦٦٨
قالت: بلغني أيها الملك، أن غريبًا لما سأل عن فخرتاج أخبره رستم بخبرها، وأن أباها غرَّقها في البحر، فلما سمع غريب كلامه اسودَّتِ الدنيا في عينَيْه، وساءت أخلاقه وقال: وحقِّ الخليل لأسيرن إلى هذا الكلب وأهلكه وأخرب دياره. ثم أرسل الكتب للجمرقان ولصاحب ميافارقين ولصاحب الموصل، ثم التفت إلى رستم وقال له: كم معك من العسكر؟ فقال له: معي ألف من فرسان العجم. فقال له: خذ معك عشرة آلاف وسِرْ إلى قومك وشاغلهم بالحرب، وأنا على إثرك. فركب رستم في عشرة آلاف فارس من عسكره، ثم سافر إلى قومه وقال في نفسه: إني أعمل عملًا يبيِّض وجهي عند الملك غريب. فسار رستم سبعة أيام وقد قرب من عسكر العجم، وبقي بينه وبينهم نصف يوم، ففرَّقَ أربع فِرَق وقال لهم: دوروا حول العسكر وأوقعوا فيهم السيف. فقالوا: سمعًا وطاعةً. فركبوا من العشاء إلى نصف الليل حتى داروا حول العسكر، وكانوا آمنين بعد فَقْدِ رستم من بينهم، فهجم عليهم المسلمون وصاحوا: الله أكبر. فقام الأعجام من النوم، ودار فيهم الحسام، وزلَّتْ منهم الأقدام، وغضب عليهم الملك العلَّام، وعمل فيهم رستم مثل عمل النار في الحطب اليابس، فما فرغ الليل إلا وعسكر العجم ما بين قتيل وهارب ومجروح، وغنم المسلمون الثقل والخيام وخزائن الأموال والخيل والجمال، ثم نزلوا في خيام الأعجام واستراحوا حتى أقبل الملك غريب، ونظر ما فعل رستم وكيف دبَّرَ الحيلة وقتل الأعجام وكسر عسكرهم، فخلع عليه وقال له: يا رستم، أنت الذي كسرتَ العجم فجميع الغنيمة لك. فقبَّلَ يدَ الملك وشكره واستراحوا يومهم، ثم ساروا طالبين ملك العجم، ووصل المهزومون ودخلوا على الملك سابور، وشكوا له الويل والثبور وعظائم الأمور، فقال لهم سابور: ما الذي دهاكم؟ ومَن بِشَرِّه رماكم؟ فحكوا له ما جرى، وكيف هُجِم عليهم في ظلام الليل، فقال سابور: ومَن الذي هجم عليكم؟ فقالوا: ما هجم إلا مقدم عسكرك؛ لأنه أسلم، وأما غريب فلم يَأْتِنا.
فلما سمع الملك بذلك رمى تاجه على الأرض وقال: ما بقي لنا قيمة. ثم التفت إلى ولده وردشاه وقال: يا ولدي، ما لهذا الأمر إلا أنت. فقال وردشاه: وحياتك يا والدي لا بد من أن أجيء بغريب وكبراء قومه في الحبال، وأُهلِك كلَّ مَن كان معه. وأَحْصَى عسكره فوجدهم مائتَيْ وعشرين ألفًا، وباتوا على نية الرحيل، وقد أصبح الصباح وأرادوا أن يرحلوا وإذا هم بغبار قد ثار حتى سدَّ الأقطار، وقد حجب أَعْيُن النظَّار، وكان الملك سابور راكبًا لوداع ولده، فلما نظر إلى هذا العجاج العظيم صاح على ساعٍ وقال: اكشف لي خبر هذا الغبار. فراح وعاد ثم قال: يا مولاي، قد أتى غريب وأبطاله. فعند ذلك حطوا الأحمال واصطفَّ الرجال للحرب والقتال، فلما أقبل غريب على إسبانير المدائن ونظر الأعجام وقد عزموا على الحرب والكفاح، ندب قومه وقال: احملوا باركت النار فيكم. فعندها هزوا العلم، وانطبقت العرب والعجم، والأمم على الأمم، وجرى الدم وانسجم، وعاينت النفوس العدم، وتقدَّم الشجاع وهجم، وولَّى الجبان وانهزم، ولم يزالوا في حرب وقتال، حتى ولَّى النهار، فدقوا طبول الانفصال، وافترقوا من بعضهم، وأمر الملك سابور أن ينصبوا الخيام على باب المدينة، وكذلك الملك غريب نصب خيامه قبال خيام الأعجام، ونزل كل واحد في خيامه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.