فلما كانت الليلة ٦٦٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عسكر الملك غريب وعسكر الملك سابور لما انفصلوا من بعضهم ذهب كل واحد إلى خيامه حتى أصبح الصباح، ثم ركبوا الجرد القراح وأقاموا الصياح، وقد حملوا الرماح، ولبسوا عدة الكفاح، وتقدَّم كل بطل جحجاح، وليث وقاح، فأول مَن فتح باب الحرب رستم، فقدَّمَ جواده إلى وسط الميدان وصاح: الله أكبر، أنا رستم مقدم أبطال العرب والعجم، هل من مبارز؟ هل من مناجز؟ لا يبرز لي اليومَ كسلان ولا عاجز. فبرز له طومان من العجم، وحمل على رستم، ورستم حمل عليه، ووقع بينهما حملات منكرات، فوثب رستم على غريمه وضربه بعمودٍ كان معه وزنه سبعون رطلًا، فخسف رأسه في صدره، فوقع على الأرض قتيلًا، وفي دمه غريقًا، فما هان ذلك على الملك سابور، فأمر قومه بالحملة، فحملوا على المسلمين واستغاثوا بالشمس ذات الأنوار، واستغاث المسلمون بالملك الجبَّار، وتكاثَرَ العجم على العرب وسقوهم كأس العطب، فعند ذلك صاح غريب وتقدَّمَ بهمته، وسحب سيفه الماحق سيف يافث، وحمل على الأعجام، وكان الكيلجان والقورجان بركاب الملك غريب، ولم يزل مُكِرًّا بسيفه حتى وصل إلى رافع العلم، فضربه على رأسه صفحًا، فوقع في الأرض مغشيًّا عليه، فأخذه الماردان إلى خيامهم، فلما نظرت الأعجام العلم قد وقع ولَّوْا هاربين، وإلى أبواب المدينة طالبين، فتبعهم المسلمون بالسيوف حتى وصلوا إلى الأبواب وازدحموا فيها، فمات منهم خلق كثير، ولم يقدروا على غلق الأبواب، فهجم رستم والجمرقان وسعدان وسهيم والدامغ والكيلجان والقورجان وجميع أبطال المسلمين وفرسان الموحدين، على الأعجام والمارقين في الأبواب، وجرى الدم من الكفار وفي الأزقة مثل التيار، فعند ذلك نادوا الأمان، فرفعوا السيف عنهم فرموا سلاحهم وعُدَدهم وساقوهم سوق الغنم إلى خيامهم.
وكان غريب قد رجع إلى سرادقه وقلع سلاحه ولبس ثياب العز، بعدما اغتسل من دم الكفار، وقعد على تخت مُلْكه وطلب ملك العجم، فجاءوا به وأوقفوه بين يدَيْه، فقال له: يا كلب العجم، ما حملك على ما فعلتَ بابنتك؟ كيف تراني لا أصلح لها بعلًا؟ فقال: يا ملك، لا تؤاخذني بما فعلتُ، فإني ندمتُ وما واجهتك بالقتال إلا خوفًا منك. فلما سمع غريب هذا الكلام أمر أن يَسْطَحوه ويضربوه، ففعلوا ما أمرهم به حتى قطع الأنين، ثم أدخلوه عند المحبوسين، ثم دعا بالأعجام وعرض عليهم الإسلام، فأسلم منهم مائة وعشرون ألفًا، والباقي راحوا على السيف، وأسلم كلُّ مَن في المدينة من الأعجام، وركب غريب في موكب عظيم، ودخل إسبانير المدائن وجلس على كرسي سابور ملك العجم، وخلع ووهب وفرَّقَ الغنيمة والذهب وفرَّقَ على الأعاجم، فأحبوه ودعوا له بالنصر والعز والبقاء. ثم إن أم فخرتاج تذكَّرَتْ بنتها وأقامت العزاء وامتلأ القصر بالصراخ والصياح، فسمعهم غريب فدخل عليهم وقال: ما خبركم؟ فتقدَّمَتْ أم فخرتاج وقالت له: يا سيدي، إنك لما حضرتَ تذكَّرْتُ ابنتي وقلت: لو كانت طيبة كانت فرحَتْ بقدومك. فبكى غريب عليها وجلس على تخته وقال: ائتوني بسابور. فأتوا به وهو يحجل في القيود فقال له: يا كلب العجم، ما فعلتَ بابنتك؟ قال: أعطيتها لهذا وهذا وقلت لهما: غرِّقاها في بحر جيحون. فدعا غريب بالرجلين وقال لهما: هل ما ذكره هذا حق؟ قالا: نعم، ولكن يا ملك ما غرَّقناها، بل شفقنا عليها وتركناها على شاطئ جيحون، وقلنا لها: اطلبي النجاة لنفسك ولا ترجعي إلى المدينة فيقتلك ويقتلنا معك، وهذا ما عندنا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.