فلما كانت الليلة ٦٧١
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا بعدما هزم عسكر وردشاه أمر الكيلجان والقورجان أن يأخذا أموالهم غنيمة، ولم يشاركهما فيها أحد، فجمعا أموالهما وقعدا في أوطانهما، وأما الكفار فإنهم لم يزالوا في هزيمتهم حتى وصلوا إلى شيراز، وأقاموا العزاء على مَن قُتِل منهم، وكان للملك وردشاه أخ اسمه سيران الساحر، ليس في زمانه أسحر منه، وكان منعزلًا عن أخيه في حصنٍ من الحصون كثيرِ الأشجار والأنهار والأطيار والأزهار، وكان بينه وبين مدينة شيراز نصف يوم، فسار القوم المنهزمون إلى الحصن ودخلوا على سيران الساحر وهم باكون صارخون، فقال لهم: ما أبكاكم يا قوم؟ فأعلموه بالخبر وكيف خطف الماردان أخاه وردشاه وابن سابور، فلما سمع سيران هذا الكلام صار الضياء في وجهه ظلامًا وقال: وحقِّ ديني لأقتلنَّ غريبًا ورجاله، ولا أترك منهم ديَّارًا ولا مَن يرد الأخبار. ثم إنه تلا كلمات وطلب الملك الأحمر، فحضر فقال له: امضِ إلى إسبانير المدائن واهجم على غريب وهو جالس على سريره. فقال له: سمعًا وطاعةً.
ثم إنه سار حتى وصل إلى الملك غريب، فلما رآه غريب سحب سيفه الماحق وحمل عليه، وكذلك الكيلجان والقورجان وقصدا عسكر الملك الأحمر، فقتلوا منهم خمسمائة وثلاثين، وجرحوا الملك الأحمر جرحًا بالغًا، فولَّى هاربًا وولَّى قومه مجروحين، ولم يزالوا سائرين حتى وصلوا حصن الفواكه، ودخلوا على سيران الساحر وهم يدعون بالويل والثبور، فقالوا له: يا حكيم، إن غريبًا معه سيف يافث بن نوح المطلسم، فكلُّ مَن ضربه به قصمه، ومعه ماردان من جبل قاف قد أعطاه إياهما الملك مرعش، وهو الذي قتل برقان حين دخل جبل قاف، وقتل الملك الأزرق وأفنى من الجن شيئًا كثيرًا. فلما سمع الساحر كلام الملك الأحمر قال له: امضِ. فمضى إلى حال سبيله، ثم إن الساحر عزم وأحضر ماردًا اسمه زعازع، وأعطاه قدرَ درهم بنج طيَّار وقال: امضِ إلى إسبانير المدائن واقصد قصر غريبٍ، وتصوَّرْ في صورة عصفور، وارصده حتى ينام ولا يبقى عنده أحد، فخذ البنج وحطَّه في أنفه وائتني به. فقال: سمعًا وطاعة. وسار حتى وصل إلى إسبانير المدائن وقصد قصر غريب وهو في صورة عصفور، وقعد في طاقة من طيقان القصر، وصبر حتى دخل الليل وذهب الملوك إلى مراقدهم، ونام غريب على تخته، وصبر المارد حتى نام غريب، فنزل وأخرج البنج المطحون وذرَّه في أنفه فخمدت أنفاسه، فلفَّه في ملاءة الفرش وحمله ومرق به مثل الريح العاصف، فما جاء نصف الليل إلا وهو في حصن الفواكه، ودخل به على سيران الساحر، فشكره على فعله وأراد أن يقتله وهو في حالة تبنيجه فنهاه رجل من قومه عن قتله وقال له: يا حكيم، إنك إن قتلته أخرب ديارَنا الجان؛ لأن الملك مرعش صاحبه يحمل علينا بكل عفريت عنده. قال له: وما نصنع به؟ فقال: ارمه في جيحون وهو مبنَّج، فلا يدري مَن رماه، ويغرق ولا يعلم به أحد. فأمر المارد أن يحمل غريبًا ويرميه في جيحون. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.