فلما كانت الليلة ٦٧٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المارد حمل غريبًا وأتى به إلى جيحون، فأراد أن يرميه في جيحون فلم يهن عليه، فعمل رومس خشب وربطه بالحبال، ودفع الرومس بغريب في التيار، فأخذه التيار وراح. هذا ما كان من أمر غريب، وأما قومه فإنهم أصبحوا يقصدون خدمته فلم يجدوه، ووجدوا سبحته على تخته، وانتظروه أن يخرج فما خرج، فطلبوا الحاجب وقالو له: ادخل إلى الحريم وانظر الملك، فإنه ما له عادة أن يغيب إلى هذا الوقت. فدخل الحاجب وسأل مَن في الحريم فقالوا له: من البارحة ما رأيناه. فرجع إليهم الحاجب وأخبرهم بذلك، فتحيَّروا وقال بعضهم لبعض: ننظر أن يكون راح ليتنزه نحو البساتين. ثم إنهم سألوا البساتينية: هل الملك مرَّ عليكم؟ فقالوا: ما رأيناه. فاغتمُّوا وفتَّشوا جميع البساتين ورجعوا آخِر النهار باكين، وطاف الكيلجان والقورجان يفتِّشان عليه في المدينة، فلم يعرِفَا له خبرًا وعادَا بعد ثلاثة أيام، فلبس القوم السواد، وشكوا لرب العباد، الذي يفعل ما أراد.
فهذا ما كان من أمرهم، وأما ما كان من أمر غريب، فإنه صار مُلقًى على الرومس وهو يجري به في التيار خمسة أيام، ثم قذفه التيار في البحر المالح، فلعبت به الأمواج واختضَّ باطنه فخرج منه البنج، ففتح عينَيْه فوجد نفسه في وسط البحر والأمواج تلعب به، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا تُرَى مَن فعل بي هذا الفعل؟ فبينما هو متحيِّرٌ في أمره، وإذا بمركب سائرة، فلوَّحَ للركاب بكمِّه فأتوه وأخذوه، ثم قالوا له: مَن تكون؟ ومن أي البلاد أنت؟ فقال لهم: أَطْعِموني واسقوني حتى تُرَدَّ لي روحي وأقول لكم مَن أنا. فأتوه بالماء والزاد، فأكل وشرب وردَّ الله عليه عقله، فقال: يا قوم، ما جنسكم؟ وما دينكم؟ فقالوا: نحن من الكرج، ونعبد صنمًا اسمه منقاش. فقال لهم: تبًّا لكم ولمعبودكم يا كلاب، ما يُعبَد إلا الله الذي خلق كلَّ شيء ويقول للشيء كن فيكون. فعندها قاموا عليه بقوة وجنون، وأرادوا القبض عليه وهو بلا سلاح، فصار كلُّ مَن لكمه رماه وأعدمه الحياة، فبطح أربعين رجلًا، فتكاثروا عليه وشدوا وثاقه وقالوا: ما نقتله إلا في أرضنا حتى نعرضه على الملك. ثم ساروا حتى وصلوا إلى مدينة الكرج. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.