فلما كانت الليلة ٦٧٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن أهل المركب لما قبضوا على غريب وكتَّفوه قالوا: ما نقتله إلا في أرضنا. ثم ساروا إلى مدينة الكرج، وكان الذي بناها عملاقًا جبَّارًا، وقد جعل على كل باب من أبوابها شخصًا من نحاس بالحكمة، فإذا دخل المدينة أحد غريب يصيح ذلك الشخص بالبوق، فيسمعه كلُّ مَن في المدينة، فيمسكونه ويقتلونه إن لم يدخل في دينهم، فلما دخل غريب صاح ذلك الشخص صيحة عظيمة، وصرخ حتى أفزع قلب الملك، فقام ودخل على صنمه فوجد النار والدخان يخرجان من فيه وأنفه وعينيه، وكان الشيطان دخل في الصنم ونطق على لسانه وقال: يا ملك، قد وقع لك واحدٌ اسمه غريب، وهو ملك العراق، وهو يأمر الناس أن يتركوا دينهم ويعبدوا ربَّه، فإذا دخلوا عليك به فلا تُبْقِه. فخرج الملك وجلس على تخته، وإذا بهم قد دخلوا بغريب، ثم أوقفوه بين يدي الملك وقالوا: يا ملك، قد وجدنا هذا الغلام كافرًا بآلهتنا، ووجدناه غريقًا. وحكوا له حكايات غريب، فقال: اذهبوا به إلى بيت الصنم الكبير وانحروه أمامه، لعله يرضى عنَّا. فقال الوزير: يا ملك، نحره ما هو مليح، فإنه يموت في ساعة. فقال: نحبسه ونجمع الحطب ونطلق فيه النار. فجمعوا الحطب وأطلقوا فيه النار إلى الصباح، وخرج الملك وخرج أهل المدينة وأمروا بإحضار غريب، فذهبوا إليه ليُحضِروه فلم يجدوه، فعادوا وأعلموا الملك بهروبه، فقال: وكيف هرب؟ قالوا: وجدنا السلاسل والقيود مرمية والأبواب مغلقة. فتعجَّبَ الملك وقال: هل هذا في السماء طار، أو في الأرض غار؟ فقالوا: لا نعلم. ثم قال: أنا أمضي إلى إلهي وأساله عنه، فإنه يخبرني أين مضى. ثم إنه قام وقصد الصنم ليسجد له فلم يجده، فصار يمعك عينَيْه ويقول: هل أنت نائم أم يقظان؟ والتفت إلى وزيره وقال: يا وزير، أين إلهي وأين الأسير؟ وحقِّ ديني يا كلب الوزراء لولا أنك أشرتَ عليَّ بحرقه لكنتُ نحرته، فهو الذي سرق إلهي وهرب، ولا بد أن آخذ ثأره. ثم سحب سيفه وضرب الوزير فقطع رقبته.
وكان لرواح غريب والصنم سبب عجيب، وذلك أنه لما حبس غريبًا في المخدع، قعد بجانب القبة التي فيها الصنم، فقام غريب لذِكْر الله تعالى وطلب من الله عز وجل، فسمعه المارد الموكَّل بالصنم الناطق على لسانه، فخشع قلبه وقال: يا خجلتاه من الذي يراني ولا أراه! ثم إنه تقدَّمَ إلى غريب وانكبَّ على قدميه وقال: يا سيدي، ما الذي أقول حتى أصير من حزبك وأدخل في ملتك؟ قال: تقول لا إله إلا الله، إبراهيم خليل الله. فنطق المارد بالشهادة فكُتِب من أهل السعادة، وكان اسم المارد زلزال بن المزلزل، وأبوه من كبار ملوك الجان، ثم إنه حلَّ غريبًا من القيود وحمله الصنم وقصد الجو الأعلى. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.