فلما كانت الليلة ٦٧٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن المارد لما حمل غريبًا وحمل الصنم، قصد الجو الأعلى. هذا ما كان من أمره، وأما ما كان من أمر الملك، فإنه لما دخل يسأل الصنم عن غريب لم يجده، وجرى ما جرى من أمر الوزير وقتله، فلما رأى جند الملك ما جرى، أنكروا عبادة الصنم وسحبوا سيوفهم وقتلوا الملك وحملوا على بعضهم، ودار السيف بينهم ثلاثة أيام حتى أفنوا بعضهم، ولم يَبْقَ سوى رجلين، فتقوَّى أحدهما على الآخَر فقتله، ووثب الصبيان على ذلك الرجل فقتلوه، ودقوا في بعضهم حتى هلكوا عن آخِرهم، وهجمت النساء والبنات وقصدوا القرى والحصون، وصارت المدينة خالية لا يسكنها إلا البوم.
هذا ما جرى لهم، وأما ما كان من أمر غريب، فإنه لما حمله زلزال بن المزلزل وقصد به بلاده، وهي جزائر الكافور وقصر البلور والعجل المسحور، وكان الملك المزلزل عنده عجل أبلق قد ألبسه الحلي والحلل المنسوجة بالذهب الأحمر واتخذه إلهًا، فدخل المزلزل يومًا هو وقومه على عجله فوجده منزعجًا، فقال له: يا إلهي، ما الذي أزعجك؟ فصاح الشيطان في جوف العجل وقال: يا مزلزل، إن ابنك صبأ إلى دين الخليل إبراهيم، على يد غريب صاحب العراق. ثم حدَّثَه بما جرى من أوله إلى آخِره، فلما سمع كلام العجل خرج متحيِّرًا، وجلس على كرسي مملكته وطلب أرباب دولته فحضروا، فحكى لهم ما سمعه من الصنم، فتعجبوا من ذلك وقالوا: ما نفعل يا ملك؟ قال: إذا حضر ولدي ورأيتموني أعتنقه فاقبضوه عليه. فقالوا: سمعًا وطاعةً. ثم بعد يومين دخل زلزال على أبيه ومعه غريب وصنم ملك الكرج، فلما دخل من باب القصر هجموا عليه وعلى غريب، وقبضوا عليهما وأوقفوهما قدام الملك المزلزل، فنظر لابنه بعين الغضب وقال له: يا كلب الجان، هل فارقت دينك ودين آبائك وأجدادك؟ قال له: دخلت في دين الحق، وأنت يا ويلك، فأسلِمْ تسلم من غضب الملك الجبَّار، خالق الليل والنهار. فغضب الملك على ولده وقال له: يا ولد الزنا، أتواجهني بهذا الكلام؟ ثم إنه أمر بحبسه فحبسوه، ثم التفت إلى غريب وقال له: يا قطاعة الإنس، كيف لعبت بعقل ولدي وأخرجتَه من دينه؟ فقال غريب: أخرجتُه من الضلال إلى الهدى، ومن النار إلى الجنة، ومن الكفر إلى الإيمان. فصاح الملك على مارد اسمه سيَّار وقال له: خذ هذا الكلب وضعه في وادي النار حتى يهلك. وذلك الوادي من فرط حرِّه والتهاب جمره، كلُّ مَن نزل فيه هلك ولا يعيش ساعة، ومحيط بذلك الوادي جبل عالٍ أملس ليس فيه منفذ، فتقدَّمَ الملعون سيَّار وحمل غريبًا وطار به وقصد الربع الخراب من الدنيا حتى صار بينه وبين الوادي ساعة واحدة، وقد تعب العفريت بغريب فنزَّلَه في وادي ذي أشجار وأنهار وأثمار، فلما نزل المارد وهو تعبان، نزل غريب من على ظهره وهو مكبَّل، وحين نام المارد من التعب وشخر، عالَجَ غريب في قيده حتى حلَّه، وأخذ حجرًا ثقيلًا وألقاه فوق رأسه، فهشَّم عظامه فهلك لوقته، ومضى غريب في ذلك الوادي. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.