فلما كانت الليلة ٦٧٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما قتل المارد مضى في ذلك الوادي فوجده في جزيرة في وسط البحر، وتلك الجزيرة واسعة وفيها جميع الفواكه مما تشتهيه الشفة واللسان، فصار غريب يأكل من أثمارها ويشرب من أنهارها، ومضت عليه فيها السنون والأعوام، وصار يأخذ من السمك ويأكل، ولم يزل على هذه الحالة منفردًا وحده سبع سنين، فبينما هو ذات يوم جالس إذ نزل عليه من الجو ماردان، مع كل مارد رجل، وقد نظروا إلى غريب فقالوا له: ما تكون يا هذا؟ ومن أي القبائل أنت؟ وكان غريب قد طال شعره فحسبوه من الجن، فسألوه عن حاله فقال لهم: ما أنا من الجن. ثم أخبرهم بما جرى له من أوله إلى آخره. فحزنوا عليه، فقال عفريت منهما: استمر مكانك حتى نؤدي هذين الخروفين إلى ملكنا يتغدى بواحد ويتعشَّى بواحد، ونعود إليك ونؤديك إلى بلادك. فشكرهما غريب وقال لهما: أين الخروفان اللذان معكما؟ فقال: هذان الآدميان. فقال غريب: استجرتُ بإله إبراهيم الخليل، ربِّ كل شيء وهو على كل شيء قدير.
ثم إنهما طارَا وقعد غريب ينتظر المارد، فبعد يومين أتاه ذلك المارد بكسوة فستره وحمله وطار به إلى الجو الأعلى حتى غاب عن الدنيا، فسمع غريب تسبيح الملائك في الهواء، فأصاب الماردَ منهم سهمٌ من نار، فهرب وقصد الأرض حتى بقي بينه وبين الأرض رمية رمح وقد قرب السهم منه وأدركه، فنهض غريب ونزل عن كاهله ولحقه السهم فصار رمادًا، ولم يكن نزول غريب إلا في البحر، فغطس مقدار قامتين وطلع، فعام ذلك اليوم وليلته وثاني يوم حتى ضعفت نفسه وأيقن بالموت، فما جاء اليوم الثالث إلا وقد يئس من الحياة، فبان له جبل شامخ فقصده وطلعه ومشى فيه، وتقوَّتَ من نبات الأرض واستراح يومًا وليلة، ثم طلع من أعلى الجبل ونزل من خلفه وسار يومين، فوصل إلى مدينة ذات أشجار وأنهار وأسوار وأبراج، فلما وصل إلى أبواب المدينة قام إليه البوابون وقبضوا عليه وأتوا به إلى ملكتهم، وكان اسمها جانشاه، وكان لها من العمر خمسمائة سنة، وكل مَن دخل مدينتها يعرضونه عليها، فتأخذه وتراقده فلما يفرغ عمله تقتله، وقد قتلت ناسًا كثيرًا، فلما أتوا بغريب إليها أعجبها، فقالت له: ما اسمك؟ وما دينك؟ ومن أي البلاد أنت؟ فقال: اسمي غريب ملك العراق وديني الإسلام. فقالت له: اخرج من دينك في ديني وأنا أتزوَّج بك وأجعلك ملكًا. فنظر غريب إليها بعين الغضب وقال لها: تبًّا لك ولدينك. صاحت عليه وقالت له: أتسبُّ صنمي وهو من العقيق الأحمر، مرصَّع بالدر والجواهر؟ ثم إنها قالت: يا رجال، احبسوه في قبة الصنم لعله يلين قلبه. فحبسوه في قبة الصنم وقفلوا عليه الأبواب. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.