فلما كانت الليلة ٥٥٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما تبيَّنَ للريس والتجار أنه هو بعينه، وقال له الريس: الحمد لله الذي ردَّ بضائعك ومالك عليك. قال: فعند ذلك تصرَّفْتُ في بضائعي بمعرفتي، وربحت بضائعي في تلك السفرة شيئًا كثيرًا، وفرحت بذلك فرحًا عظيمًا، وهنأت نفسي بالسلامة وعود مالي إليَّ، ولم نزل نبيع ونشتري في الجزائر إلى أن وصلنا إلى بلاد السند، وقد بعنا فيها واشترينا، ورأيت في ذلك البحر شيئًا من العجائب والغرائب لا يُعَدُّ ولا يُحصَى، ومن جملة ما رأيتُ في ذلك البحر سمكة على صفة البقرة، وشيئًا على صفة الحمير، ورأيت طيرًا يخرج من صدف البحر ويبيض، ويفرخ على وجه الماء، ولا يطلع من البحر على وجه الأرض أبدًا. وبعد ذلك لم نزل مسافرين بإذن الله تعالى، وقد طاب لنا الريح والسفر إلى أن وصلنا إلى البصرة، وقد أقمت بها أيامًا قلائل، وبعد ذلك جئت إلى مدينة بغداد فتوجهت إلى حارتي، ودخلت بيتي، وسلَّمْتُ على أهلي وأصحابي وأصدقائي، وقد فرحت بسلامتي وعودتي إلى بلادي وأهلي ومدينتي ودياري، وتصدقت ووهبت، وكسوت الأرامل والأيتام، وجمعت أصحابي وأحبابي، ولم أزل على هذه الحالة في أكل وشرب ولهو وضرب، وأنا آكل طيبًا، وأشرب طيبًا، وأعاشر وأخالط، وقد نسيت جميع ما كان جرى لي، وما قاسيت من الشدائد والأهوال، وكسبت شيئًا في هذه السفرة لا يُعَدُّ ولا يُحصَى، وهذا أعجب ما رأيته في هذه السفرة، وفي غدٍ إن شاء الله تعالى تجيء إليَّ وأحكي لك حكاية السفرة الرابعة؛ فإنها أعجب من هذه السفرات.
ثم إن السندباد البحري أمَرَ بأن يدفعوا إليه مائة مثقال من الذهب على جري عادته، وأمر بمد السماط فمدوه، وتعشى الجماعة، وهم يتعجبون من تلك الحكاية، وما جرى فيها، ثم إنهم بعد العشاء انصرفوا إلى حال سبيلهم، وقد أخذ السندباد الحمَّال ما أمر له به من الذهب، وانصرف إلى حال سبيله، وهو متعجب مما سمعه من السندباد البحري، وبات في بيته، ولما أصبح الصباح، وأضاء بنوره ولاح، قام السندباد الحمال، وصلى الصبح، وتمشَّى إلى السندباد البحري، وقد دخل إليه وسلَّم عليه، وتلقَّاه بالفرح والانشراح، وأجلسه عنده إلى أن حضر بقية أصحابه، وقد قدَّموا الطعام فأكلوا وشربوا وانبسطوا، فبدأهم بالكلام، وحكى لهم الحكاية الرابعة.
قال السندباد البحري: اعلموا يا إخواني أني لما عدت إلى مدينة بغداد، واجتمعت على أصحابي وأهلي، وصرت في أعظم ما يكون من الهناء والسرور والراحة، وقد نسيت ما كنت فيه لكثرة الفوائد، وغرقت في اللهو والطرب، ومجالَسة الأحباب والأصحاب، وأنا في ألذ ما يكون من العيش، فحدَّثتني نفسي الخبيثة بالسفر إلى بلاد الناس، وقد اشتقت إلى مصاحبة الأجناس والبيع والمكسب، فهممتُ في ذلك الأمر، واشتريتُ بضاعةً نفيسة تناسب البحر، وحزمت حمولة كثيرة زيادة عن العادة، وسافرتُ من مدينة بغداد إلى مدينة البصرة، ونزلت حمولتي في المركب، واصطحبت بجماعة من أكابر البصرة، وقد توجَّهنا إلى السفر وسارت بنا المركب على بركة الله تعالى في البحر العجاج، المتلاطم بالأمواج، وطاب لنا السفر، ولم نزل على هذه الحالة مدة ليالٍ وأيام من جزيرة إلى جزيرة، ومن بحر إلى بحر إلى أن خرجت علينا ريح مختلفة يومًا من الأيام، فرمى الريس مراسي المركب، وأوقفها في وسط البحر؛ خوفًا عليها من الغرق في وسط الإباحة، فبينما نحن على هذه الحالة ندعو ونتضرع إلى الله تعالى، إذ خرج علينا عاصف ريح شديد، مزَّقَ القلع، وقطَّعه قطعًا، وغرق الناس، وجميع حمولهم، وما معهم من المتاع والأموال، وغرقت أنا بجملة مَن غرق، وعمتُ في البحر نصف نهار، وقد تخلَّيْتُ عن نفسي، فيسَّرَ الله تعالى لي قطعة لوح خشب من ألواح المركب، فركبتها أنا وجماعة من التجار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.