فلما كانت الليلة ٦٧٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنهم لما أخذوا غريبًا وحبسوه في قبة الصنم، وأغلقوا عليه الأبواب ومضوا إلى حال سبيلهم، نظر غريب إلى الصنم وهو من العقيق الأحمر، وفي عنقه قلائد الدر والجوهر، فتقدَّمَ غريب إلى الصنم وحمله وضرب به الأرض فصار هشيمًا؛ ونام حتى طلع النهار. فلما أصبح الصباح جلست الملكة على سريرها وقالت: يا رجال، ائتوني بالأسير. فساروا إلى غريب وفتحوا القبة ودخلوا فوجدوا الصنم مكسورًا، فلطموا على وجوههم حتى نزل الدم من آماق عيونهم، ثم تقدَّموا إلى غريب ليمسكوه، فلَكَمَ منهم واحدًا فمات، وآخَر فقتله حتى قتل خمسة وعشرين وهرب الباقي، فدخلوا على الملكة جانشاه وهم صارخون، فقالت لهم: ما الخبر؟ قالوا لها: إن الأسير كسر صنمكِ وقتل رجالكِ. وأخبروها بما كان، فرمت تاجها على الأرض وقالت: ما بقي للأصنام قيمة. ثم إنها ركبت في ألف بطل وقصدت بيت الصنم، فوجدت غريبًا قد خرج من القبة وقد أخذ سيفًا وصار يقتل الأبطال ويجندل الرجال، فنظرت جانشاه إلى غريب وشجاعته وغرقت في محبته وقالت: ليس لي حاجة بالصنم، وما مرادي إلا هذا الغريب يرقد في حضني بقيمة عمري.
ثم إنها قالت لرجالها: ابعدوا عنه وانعزلوا. ثم إنها تقدمت وهمهمت، فوقف ذراع غريب وارتخت سواعده وسقط السيف من يده، فمسكوه وكتَّفوه ذليلًا حقيرًا متحيرًا، ثم رجعت جانشاه وجلست على سرير مُلْكها، وأمرت قومها بالانصراف، واختلت به في المكان فقالت له: يا كلب العرب، أتكسر صنمي وتقتل رجالي؟ فقال لها: يا ملعونة، لو كان إلهًا لمنع عن نفسه؟ فقالت له: ضاجعني وأنا أترك لك ما صنعت؟ فقال لها: ما أفعل شيئًا من ذلك. فقالت: وحق ديني لأعذِّبَنَّك عذابًا شديدًا. ثم إنها أخذت ماءً وعزمت عليه ورشَّتْه عليه فصار قردًا، وصارت تُطعِمه وتسقيه، ثم حبسته في مخدع ووكَّلَتْ به مَن يقوم به سنتين، ثم دعته يومًا من الأيام فأحضرته إليها وقالت: أتسمع مني؟ فقال لها برأسه: نعم. ففرحت وخلصته من السحر وقدَّمَتْ له الأكل، فأكل معها ولاعبها وقبَّلَها فاطمأنت له، وأقبل الليل فرقدت وقالت له: قم اعمل شغلك. فقال لها: نعم. ثم ركب على صدرها وقبض على رقبتها فكسرها، ولم يقم عنها حتى خرجت روحها، ثم نظر إلى خزانة مفتوحة فدخلها، فوجد فيها سيفًا مجوهرًا ودرقة من الحديد الصيني، فلبس كامل العدة وصبر إلى الصباح، ثم خرج ووقف على باب القصر، فأقبل الأمراء وأرادوا أن يدخلوا إلى الخدمة، فوجدوا غريبًا وهو لابس آلة الحرب، فقال لهم: يا قوم، اتركوا عبادة الأصنام واعبدوا الملك العلَّام، خالق الليل والنهار، رب الآنام ومحيي العظام، وخالق كل شيء وهو على كل شيء قدير. فلما سمع الكفار ذلك الكلام هجموا عليه، فحمل عليهم كأنه أسدٍ كاسرٍ، فجال فيهم وقتل خلقًا كثيرًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.