فلما كانت الليلة ٦٧٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان لمجيء هذا العسكر ونزوله على مدينة إسبانير سبب عظيم، وذلك أنه لما بعث الملك سابور ابنته مع اثنين من قومه وقال لهم: غرِّقاها في جيحون. فخرجا بها وقالا لها: امضِ إلى حال سبيلك ولا تظهري لأبيك فيقتلنا ويقتلك. فهَجَّتْ فخرتاج وهي حيرانة لا تعرف أين تتوجه وقالت: أين عينك يا غريب تنظر حالي والذي أنا فيه؟ ولم تزل سائرة من أرض إلى أرض، ومن وادٍ إلى وادٍ، حتى مرت بوادٍ كثير الأشجار والأنهار، وفي وسطه حصن مبني، عالي البنيان، مشيد الأركان كأنه روضة من الجنان، فتنحت فخرتاج إلى الحصن ودخلته فوجدته مفروشًا بالبسط الحرير، وفيه من أواني الذهب والفضة شيء كثير، ووجدت فيه مائة جارية من الجواري الحسان، فلما نظرت الجواري فخرتاج، قُمْنَ إليها وسلَّمْنَ عليها وهن يحسبن أنها من جواري الجن، فسألنها عن حالها فقالت لهن: أنا بنت ملك العجم. وحكت لهم ما جرى لها، فلما سمعت الجواري هذا الكلام حَزنَّ عليها، ثم إنهن طيبْنَ قلبها وقلن لها: طيبي نفسًا، وقري عينًا، ولك ما تأكلين وما تشربين وما تلبسين، وكلنا في خدمتك. فدعت لهن، ثم إنهن قدَّمْنَ إليها الطعام فأكلت حتى اكتفت، وقالت فخرتاج للجواري: ومَن صاحب هذا القصر والحاكم عليكم؟ قالوا: سيدنا الملك صلصال بن دال، وهو يأتي في كل شهرٍ ليلةً، ويصبح متوجِّهًا ليحكم في قبائل الجان.
فأقامت عندهن فخرتاج خمسة أيام، فوضعت ولدًا ذكرًا مثل القمر، فقطعن سرته، وكحَّلْنَ مقلته، وسمَّيْنَه مرادشاه، فتربَّى في حجر أمه، وعن قليل أقبل الملك صلصال وهو راكب على فيل أبيض قرطاسي قدر البرج المشيد، وحوله طوائف الجان، ثم دخل القصر وتلقته المائة جارية وقبَّلْنَ الأرض ومعهن فخرتاج، فنظر الملك فقال لجواريه: مَن تكون هذه الجارية؟ فقالوا له: بنت سابور ملك العجم والترك والديلم. فقال: مَن أتى بها إلى هذا المكان؟ فحكين له ما جرى لها، فحزن عليها وقال: لا تحزني واصبري حتى تربي ولدك ويكبر، ثم إني أسير إلى بلاد العجم وأقطع رأس أبيك من بين أكتافه، وأُجلِس لك ولدَك على تخت العجم والترك والديلم. فقامت فخرتاج وقبَّلَتْ يديه ودعت له، وقعدت تربي ولدها مع أولاد الملك، وصاروا يركبون الخيل ويسيرون إلى الصيد والقنص، فتعلَّمَ صيد الوحش وصيد السباع الضارية وظل يأكل من لحومها حتى صار قلبه من الحجر، فلما صار له من العمر خمسة عشر عامًا، كبرت عنده نفسه، فقال لأمه: يا أماه، ومَن هو أبي؟ فقالت: يا ولدي، أبوك غريب ملك العراق، وأنا بنت ملك العجم. ثم إنها حكت له ما جرى، فلما سمع كلامها قال: وهل أمَرَ جدي بقتلك وقتل أبي؟ قالت: نعم. فقال لها: وحقِّ ما لك عليَّ من التربية لَأسيرنَّ إلى مدينة أبيك، وأقطع رأسه وأقدِّمها إلى حضرتك. ففرحت بقوله. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.