فلما كانت الليلة ٦٧٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن مرادشاه ابن فخرتاج، صار يركب مع المائتَيْ مارد حتى إنه تربَّى معهم، وصاروا يشنون الغارات ويقطعون الطرقات، ولم يزالوا في سيرهم حتى أشرفوا على بلاد شيراز، فهجموا عليها، وهجم مرادشاه على قصر الملك، فرمى رأسه وهو على تخته، وقتل من جنده خلقًا كثيرًا، وصاح الباقي باللسان: الأمان الأمان. ثم إنهم قبَّلوا ركبة مرادشاه، فعدهم فوجدهم عشرة آلاف فارس، فركبوا في خدمته ثم ساروا إلى بلح، فقتلوا ملكها وأهلكوا جندها، وتملَّكوا أهلها وساروا إلى نورين، وقد سار مرادشاه في ثلاثين ألف فارس، وقد خرج إليهم صاحب نورين طائعًا، وقدَّمَ إليهم الأموال والتحف، وركب في ثلاثين ألف فارس وساروا قاصدين مدينة سمرقند العجم، فأخذوها وساروا إلى أخلاط فأخذوها، ثم ساروا ولم يصلوا إلى مدينة إلا أخذوها، وقد صار مرادشاه في جيش عظيم، والذي يأخذه من الأموال والتحف من المدائن يفرِّقه على الرجال، فحبوه لأجل شجاعته وكرمه. وقد وصل إلى إسبانير المدائن فقال: اصبروا حتى أحضر باقي عسكري وأقبض على جدي، وأحضره قدام أمي وأشفي قلبها بضرب عنقه. ثم إنه أرسل مَن يجيء بها، فلأجل هذا لم يحصل القتال ثلاثة أيام، وقد وصل غريب ومعه زلزال في أربعين ألف مارد، حاملين الأموال والهدايا، وسأل عن العسكر النازلين فقالوا: لا نعلم من أين هم، ولهم ثلاثة أيام لم يقاتلونا ولم نقاتلهم. ووصلت فخرتاج فاعتنقها ولدها مرادشاه وقال لها: اقعدي في خيمتك حتى أجيء لك بأبيك. فدعت له بالنصر من رب العالمين، رب السموات ورب الأرضين.
فلما أصبح الصباح ركب مرادشاه، والمائتا مارد على يمينه، وملوك الإنس على شماله، ودقوا طبول الحرب، فسمع غريب فركب وخرج ودعا قومه للحرب، ووقفت الجن على يمينه، والإنس على يساره، فبرز مرادشاه وهو غارق في عدة الحرب، فساق جواده يمينًا وشمالًا ثم نادى: يا قوم، لا يبرز لي إلا ملككم، فإن قهرني كان هو صاحب العسكرين، وإن قهرته قتلته مثل غيره. فلما سمع غريب كلام مرادشاه قال: اخسأ يا كلب العرب. ثم حملَا على بعضهما، وتطاعنا بالرماح حتى تكسَّرَتْ، وتضاربَا بالسيوف حتى تثلمت، ولم يزالا في كر وفر وقُرْب وبُعْد حتى انتصف النهار، وقد وقعت الخيل من تحتهما، فنزلا على الأرض وقد قبضا بعضهما، فعند ذلك هجم مرادشاه على غريب وخطفه وعلَّقه، وأراد أن يضرب به الأرض، فقبض غريب على أذنَيْه وجدبهما بشدة، فحسَّ مرادشاه أن السماء انطبقت على الأرض، فصاح بملء فمه وقال: أنا في جيرتك يا فارس الزمان. فكتَّفَه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.