فلما كانت الليلة ٦٨٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن غريبًا لما قبض على أذني مرادشاه وجذبهما فقال له: أنا في جيرتك يا فارس الزمان. فكتَّفَه، فأراد المَرَدة أصحاب مرادشاه أن يهجموا ويخلِّصوه، فحمل غريب بألف مارد وأرادوا أن يبطشوا بمَرَدة مرادشاه، فصاحوا: الأمان الأمان. ورموا سلاحهم، فجلس غريب في سرادقه، وكان من الحرير الأخضر، مطرَّزًا بالذهب الأحمر، مكللًا بالدر والجوهر، ثم دعا بمرادشاه فأحضروه بين يديه وهو يحجل في القيود والأغلال، فلما نظر مرادشاه إلى غريب أطرق برأسه إلى الأرض من الحياء، فقال له غريب: يا كلب العرب، أي شيء وصفك حتى تركب وتضاهي الملوك؟ فقال: يا مولاي، لا تؤاخذني فإني معذور. قال له غريب: ما وجه عذرك؟ قال مرادشاه: يا مولاي، اعلم أني قد خرجتُ آخذ ثأر أبي وأمي من سابور ملك العجم، فإنه أراد قتلهما، فسلمت أمي وما أدري هل قُتِل أبي أم لا؟ فلما سمع غريب كلامه قال: والله إنك معذور، فمَن هو أبوك؟ ومَن هي أمك؟ وما اسم أبيك؟ وما اسم أمك؟ فقال: اسم أبي غريب ملك العراق، واسم أمي فخرتاج بنت سابور ملك العجم. فلما سمع غريب كلامه صرخ صرخة عظيمة ووقع مغشيًّا عليه، فرشُّوا عليه ماء الورد، فلما أفاق قال له: هل أنت ابن غريب من فخرتاج؟ قال: نعم. قال غريب: أنت فارس ابن فارس، حلوا القيود عن ولدي. فتقدَّمَ سهيم والكيلجان وحلَّا مرادشاه، واحتضن ولده وأجلسه في جانبه وقال له: أين أمك؟ قال: هي عندي في خيمتي. قال: ائتني بها. فركب مرادشاه إلى خيامه، فتلقَّاه أصحابه وفرحوا بسلامته، وسألوه عن حاله فقال: ما هذا وقت سؤال. ثم إنه دخل على أمه وحدَّثَها بما جرى، ففرحت فرحًا شديدًا وأتى بها إلى أبيه، فتعانَقَا وفرِحَا ببعضهما، وأسلمت فخرتاج وأسلم مرادشاه، وعرضا على عسكرهما الإسلام فأسلموا جميعًا قلبًا ولسانًا، وفرح غريب بإسلامهم، ثم أحضر الملك سابور ووبَّخَه على فعاله هو وولده، وعرض عليهما الإسلام فأبَيَا، فصلبهما على باب المدينة.
وزيَّنوا المدينة وفرح أهل المدينة وزيَّنوها، وألبسوا مرادشاه التاج الكسروي، وجعلوه ملك العجم والترك والديلم، وبعث الملك غريب عمه الملك الدامغ ملكًا على العراق، وقد أطاعته كل البلاد والعباد، وقعد غريب في مملكته يعدل في الرعية، وقد أحبه الخلق أجمعون. ولم يزالوا في أرغد عيش إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، فسبحان مَن يدوم عزه وبقاؤه، وعلى خلقه جلت آلاؤه. وهذا ما بلغنا من حكاية غريب وعجيب.
حكاية عتبة وريَّا
وحُكِي أيضًا أن عبد الله بن معمر القيسي قال: حججتُ سنةً إلى بيت الله الحرام، فلما قضيتُ حجي عدتُ إلى زيارة قبر النبي ﷺ، فبينما أنا ذات ليلة جالس في الروضة بين القبر والمنبر، إذ سمعتُ أنينًا رقيقًا بصوت رخيم، فأنصتُّ إليه وإذا هو يقول:
ثم انقطع صوته ولم أدرِ من أين جاءني، فبقيت حائرًا، وإذا به أعاد الأنين وأنشد يقول:
قال: فنهضت إليه عند ابتداء الأبيات أقصد جهة الصوت، فما انتهى إلى آخِر الأبيات إلا وأنا عنده، فرأيتُ غلامًا في غاية الجمال لم ينبت عِذَاره، وقد خرق الدمع من وجنتَيْه خرقين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.