فلما كانت الليلة ٦٨٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن يونس الكاتب لما قال للوليد بن سهل: معاذ الله أن أندم، ولو أهديتها للأمير لَكانت أقل ما يُهدَى إليه، وما هذه الجارية بالنسبة إلى مقامه؟ فقال له الوليد: والله إني ندمت على أخذها منك، وقلت: هذا رجل غريب لا يعرفني، وقد دهمته وسفهت عليه في استعجالي بأخذ الجارية، أفتذكر ما كان بيننا؟ قلتُ: نعم. قال: أتبيعني هذه الجارية بخمسين ألف درهم؟ قال: نعم. قال: هات يا غلام المال. فوضعه بين يديه فقال: يا غلام هات ألفًا وخمسمائة دينار. فأتى بها ثم قال: هذا ثمن جاريتك فضَمَّه إليك، وهذا الألف دينار لحُسْن ظنك بنا، وهذه الخمسمائة دينار لنفقة طريقك وما تبتاعه لأهلك، أرضيتَ؟ قال: رضيت. وقبَّلْتُ يدَيْه وقلت: والله قد ملأتَ عيني ويدي وقلبي. ثم قال الوليد: والله إني لم أخلُ بها ولا شبعتُ من غنائها، عليَّ بها. فجاءت فأمرها بالجلوس فجلست، فقال لها: غنِّي. فأنشدت هذا الشعر:
فطرب طربًا شديدًا، وشكر حُسْن تأديبي لها وتعليمي إياها، ثم قال: يا غلام، قدِّم له دابة بسرجها وآلاتها لركوبه، وبغلًا لحمل حوائجه. ثم قال: يا يونس، إذا بلغك أن هذا الأمر قد أفضى إليَّ فالحق بي، فوالله لَأملأَنَّ بالخير يديك، ولَأُعْلِيَنَّ قدرك ولَأغْنِيَنَّك ما بقيت. فأخذت المال وانصرفت، فلما أفضت إليه الخلافة سرتُ إليه، فوفَّى لي والله بوعده وزاده في إكرامي، وكنتُ معه على أسر حال وأسنى منزلة، وقد اتَّسَعَتْ أحوالي وكثرت أموالي، وصار لي من الضياع والأموال ما يكفيني إلى مماتي، ويكفي وَرَثَتِي من بعدي. ولم أزل معه حتى قُتِل رحمه الله تعالى.
حكاية هارون الرشيد والبنت البدوية
وحُكِي أيضًا أن أمير المؤمنين هارون الرشيد مرَّ في بعض الأيام، وصحبته جعفر البرمكي، وإذا هو بعدة بنات يسقين الماء، فعرَّج عليهن يريد الشرب، وإذا إحداهن التفتَتْ إليه، وأنشدت هذه الأبيات:
فأعجب أميرَ المؤمنين ملاحتُها وفصاحتُها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.