فلما كانت الليلة ٦٩٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الخادم لما أذن للأعرابي في الدخول، دخل وسلَّمَ على أمير المؤمنين، فقال له معاوية: ممَّن الرجل؟ فقال: من بني تيم. قال: فما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ فقال: جئتك مشتكيًا وبك مستجيرًا. قال: ممَّن؟ قال: من مروان بن الحكم عاملك. ثم إنه أنشد وجعل يقول:
فلما سمع معاوية إنشاده والنار تتوقَّد مِن فيه، قال له: أهلًا وسهلًا يا أخا العرب، اذكر قصتك وانبئ عن أمرك. فقال له: يا أمير المؤمنين، كان لي زوجة وكنتُ لها مُحِبًّا وبها كلفًا، وكنت قريرَ العين طيبَ النفس، وكانت لي جملة من الإبل، وكنت أستعين بها على قيام حالي، فأصابتنا سنة أذهبت الخف والحافر، وبقيتُ لا أملك شيئًا، فلما قلَّ ما بيدي وذهب مالي وفسد حالي، بقيت مهانًا ثقيلًا على الذي كان يرغب في زيارتي، فلما علم أبوها ما بي من سوء الحال وشر المآل، أخذها مني وجحدني وطردني وأغلظ عليَّ، فأتيتُ إلى عاملك مروان بن الحكم راجيًا لنصرته، فلما أحضر أباها وسأله عن حالي قال: ما أعرفه قطُّ. فقلت: أصلح الأمير إن رأى أن يحضر المرأة ويسألها عن قول أبيها تبيَّنَ الحق. فبعث خلفها وأحضرها، فلما وقفت بين يديه وقعت منه موقع الإعجاب، فصار لي خصمًا وعليَّ منكرًا، وأظهر لي الغضب وبعثني إلى السجن، فصرت كأنما نزلت من السماء، واستوى بي الريح في مكان سحيق. ثم قال لأبيها: هل لك أن تزوِّجها مني على ألف دينار وعشرة آلاف درهم، وأنا ضامن خلاصها من هذا الأعرابي؟ فرغب أبوها في البدل وأجابه إلى ذلك، فأحضرني ونظر إليَّ كالأسد الغضبان، وقال: يا أعرابي، طلِّقْ سعاد. قلت: لا أطلِّقها. فسلَّطَ جماعة من غلمانه، فصاروا يعذِّبونني بأنواع العذاب، فلم أجد لي بدًّا إلا طلاقها ففعلت، فأعادني إلى السجن فمكثتُ فيه إلى أن انقضت العدة، فتزوَّجَ بها وأطلَقَني، وقد جئتك راجيًا وبك مستجيرًا وإليك ملتجئًا. وأنشد هذه الأبيات:
ثم اضطرب واصطكت أسنانه ووقع مغشيًّا عليه، وصار يتلوى كالحية المقتولة، فلما سمع معاوية كلامه وإنشاده قال: تعدَّى ابن الحكم في حدود الدين وظلَمَ واجترى على حريم المسلمين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.