فلما كانت الليلة ٦٩٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية قالت: إني مشغولة عن الماء والزاد. فقلتُ: لأي عِلَّة يا سيدتي؟ قالت: إني أعشق مَن لا ينصفني، وأريد مَن لا يريدني، ومع ذلك فإني ممتحَنة بمراقبة الرقباء. قلت: وهل يا سيدتي على بسيطة الأرض مَن تريدينه ولا يريدك؟ قالت: نعم، وذلك لفضل ما رُكِّب فيه من الجمال والكمال والدلال. قلت: وما وقوفك في هذا الدهليز؟ قالت: ها هنا طريقه، وهذا وقت اجتيازه. قلت لها: يا سيدتي، فهل اجتمعتما في وقت من الأوقات، وتحدَّثْتُما حديثًا أوجب هذا الوَجْد؟ فتنفَّسَتِ الصعداء، وأرخت دموعها على خدها كطل سقط على ورد، ثم أنشدت هذين البيتين:
قلت: يا هذه، فما بلغ من عشقك لهذا الفتى؟ قالت: أرى الشمس على حيطان أهله، فأحسب أنها هو، وربما أراه بغتةً فأبهت ويهرب الدم والروح من جسدي، وأبقى الأسبوعَ والأسبوعين بغير عقلٍ. فقلت لها: اعذريني، فإني على مثل ما بكِ من الصبابة، مشتغل البال بالهوى وانتحال الجسم وضعف القوى، أرى بك من شحوب اللون ورِقَّة البشرة ما يشهد بتباريح الهوى، وكيف لم يَمْسَسْكِ الهوى وأنتِ مقيمة في أرض البصرة؟ قالت: والله كنتُ قبل محبتي هذا الغلام في غاية الدلال، بهية الجمال والكمال، ولقد فتنتُ جميعَ ملوك البصرة حتى افتتن بي هذا الغلام. قلت: يا هذه، ما الذي فرَّقَ بينكما؟ قالت: نوائب الدهر، ولحديثي وحديثه شأن عجيب؛ وذلك أني قعدتُ في يوم نيروز، ودعوت عدَّة من جواري البصرة، وفي تلك الجواري جارية سيران، وكان ثمنها عليه من عمان ثمانين ألف درهم، وكانت لي مُحِبَّة وبي مولعة، فلما دخلتُ رمت نفسها عليَّ وكادت تقطعني قرصًا وعضًّا، ثم خلونا ننعم بالشراب إلى أن يتهيَّأ طعامنا ويتكامل سرورنا، وكانت تلاعبني وألاعبها، فتارةً أنا فوقها وتارةً هي فوقي، فحملها السكر على أن ضربتْ يدها إلى دكتي، فحَلَّتْها من غير ريبة كانت بيننا، ونزل سروالي بالملاعبة، فبينما نحن كذلك إذ دخل هو على حين غفلة، فرأى ذلك، فاغتاظ لذلك وانصرف عني انصراف المهرة العربية إذا سمعت صلاصل لجامها، فولَّى خارجًا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.