فلما كانت الليلة ٥٥٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري لما رأى الجماعة الذين يجمعون الفلفل في الجزيرة وسألوه عن حاله، حكى لهم جميع ما جرى له، وما قاساه من الشدائد، فقالوا: والله هذا أمر عجيب، ولكن كيف خلاصك من السودان؟ وكيف مرورك عليهم في هذه الجزيرة وهم خلق كثيرون، ويأكلون الناس، ولا يسلم منهم أحد، ولا يقدر أن يجوز عليهم أحد؟ فأخبرتهم بما جرى لي معهم، وكيف أخذوا أصحابي، وأطعموهم الطعام ولم آكل منه؛ فهنوني بالسلامة، وصاروا يتعجبون مما جرى لي، ثم أجلسوني عندهم حتى فرغوا من شغلهم، وأتوني بشيء من الطعام المليح، فأكلت منه وكنت جائعًا، وارتحت عندهم ساعة من الزمان، وبعد ذلك أخذوني، ونزلوا بي في مركب، وجاءوا إلى جزيرتهم ومساكنهم، وقد عرضوني على ملكهم، فسلَّمت عليهم ورحَّب بي وأكرمني، وسألني عن حالي، فأخبرته بما كان من أمري، وما جرى لي، وما اتفق لي من يوم خروجي من مدينة بغداد إلى حين وصلتُ إليه، فتعجَّبَ ملكهم من قصتي وما اتفق لي غاية العجب، هو ومَن كان حاضرًا في مجلسه، ثم إنه أمرني بالجلوس عنده فجلست، وأمر بإحضار الطعام فأحضروه، فأكلت منه على قدر كفايتي، وغسلت يدي، وشكرت فضل الله تعالى وحمدته، وأثنيت عليه.
ثم إني قمت من عند ملكهم، وتفرجت في مدينته؛ فإذا هي مدينة عامرة كثيرة الأهل والمال، كثيرة الطعام والأسواق والبضائع والبائعين والمشترين؛ ففرحت بوصولي إلى تلك المدينة، وارتاح خاطري، واستأنست بأهلها، وصرت عندهم وعند ملكهم معزَّزًا مكرمًا، زيادة على أهل مملكته من عظماء مدينته، ورأيت جميع أكابرها وأصاغرها يركبون الخيول الجياد المِلَاح من غير سروج، فتعجَّبْتُ من ذلك، ثم إني قلت للملك: لأي شيء يا مولاي لم تركب على سرج؟ فإن فيه راحةً للراكب، وزيادة قوة. فقال لي: كيف يكون السرج؟ هذا شيء عمرنا ما رأيناه، ولا ركبنا عليه. فقلتُ له: هل لك أن تأذن لي أن أصنع لك سرجًا تركب عليه، وتنظر حظه؟ فقال لي: افعل. فقلت له: أحضر لي شيئًا من الخشب. فأمر لي بإحضار جميع ما طلبته؛ فعند ذلك طلبت نجارًا شاطرًا، وجلست عنده، وعلَّمْتُه صنعة السرج، وكيف يعمله، ثم إني أخذت صوفًا ونفشته، وصنعت منه لبدًا، وأحضرت جلدًا وألبسته للسرج وصقلته، ثم إني ركبت سيوره، وشددت شريحته، وبعد ذلك أحضرت الحداد، ووصفت له كيفية الركاب، فدقَّ ركابًا عظيمًا، وبردته، وبيَّضته بالقزدير، ثم إني شددت له أهدابًا من الحرير، وبعد ذلك قمت وجئت بحصان من خيار خيول الملك، وشددت عليه ذلك السرج، وعلَّقت فيه الركاب، وألجمته بلجام، وقدمته إلى الملك؛ فأعجبه ولاق بخاطره وشكرني، وركب عليه، وقد حصل له فرح شديد بذلك السرج، وأعطاني شيئًا كثيرًا في نظير عملي له. فلما نظرني وزيره عملت ذلك السرج، طلب مني واحدًا مثله، فعملت له سرجًا مثله، وقد صار أكابر الدولة وأصحاب المناصب يطلبون مني السروج، فأفعل لهم، وعلمت النجار صنعة السرج، والحداد صنعة الركاب، وصرنا نعمل السروج والركابات، ونبيعها للأكابر والمخاديم، وقد جمعت من ذلك مالًا كثيرًا، وصار لي عندهم مقام كبير، وحبوني محبةً زائدة، وبقيت صاحب منزلة عالية عند الملك وجماعته، وعند أكابر البلد وأرباب الدولة، إلى أن جلستُ يومًا من الأيام عند الملك وأنا في غاية السرور والعز.
فبينما أنا جالس قال لي الملك: اعلم يا هذا أنك صرت معزَّزًا مكرمًا عندنا، وواحدًا منَّا، ولا نقدر على مفارقتك، ولا نستطيع خروجك من مدينتنا، ومقصودي منك شيء تطيعني فيه، ولا ترد قولي. فقلت له: وما الذي تريد مني أيها الملك؟ فإني لا أرد قولك؛ لأنه صار لك فضل وجميل وإحسان عليَّ، والحمد لله أنا صرت من بعض خدَّامك. فقال: أريد أن أزوِّجك عندنا بزوجة حسنة، مليحة ظريفة، صاحبة مال وجمال، وتصير مستوطنًا عندنا، وأسكنك عندي وفي قصري، فلا تخالفني، ولا ترد كلمتي. فلما سمعتُ كلام الملك استحييتُ منه وسكتُّ، ولم أرد عليه جوابًا من كثرة الحياء منه، فقال لي: لِمَ لا ترد عليَّ يا ولدي؟ فقلت له: يا سيدي، الأمر أمرك يا ملك الزمان. فأرسل من وقته وساعته، وأحضر القاضي والشهود، وزوَّجني في ذلك الوقت بامرأة شريفة القدر، عالية النسب، كثيرة المال والنوال، عظيمة الأصل، بديعة الجمال والحسن، صاحبة أماكن وأملاك وعقارات. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.