فلما كانت الليلة ٦٩٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زينب النصابة لما قالت لأمها: قومي اعملي لنا حيلًا ومناصف؛ لعل بذلك يشيع لنا صيت في بغداد، فتكون لنا جامكية أبينا، فقالت لها: وحياتك يا بنتي لألعب في بغداد مناصف أقوى من مناصف أحمد الدنف وحسن شومان. فقامت ضربت على وجهها لثامًا، ولبست لباس الفقراء من الصوفية، ولبست لباسًا نازلًا لكعبها وجبَّة صوف، وتحزَّمت بمنطقة عريضة، وأخذت إبريقًا وملأته ماء لرقبته، وحطت في فمه ثلاثة دنانير، وغطت فم الإبريق بليفة، وتقلَّدت بسبح قدرَ حملة حطب، وأخذت راية في يدها، وفيها شراميط حمر وصفر، وطلعت تقول: الله واللسان ناطق بالتسبيح، والقلب راكض في ميدان القبيح. وصارت تتلمح لمنصف تلعبه في البلد، فسارت من زقاق إلى زقاق حتى وصلت إلى زقاق مكنوس مرشوش، وبالرخام مفروش، فرأت بابًا مقوصرًا بعتبة من مرمر، ورجلًا مغربيَّا بوَّابًا واقفًا بالباب، وكانت تلك الدار لرئيس الشاويشية عند الخليفة، وكان صاحب الدار ذا زرع وبلاد وجامكية واسعة، وكان يُسمَّى حسن شر الطريق، وما سمَّوْه بذلك إلا لكون ضربته تسبق كلمته، وكان متزوجًا بصبية مليحة وكان يحبها، وكانت ليلة دخلته بها حلَّفته أنه لا يتزوَّج عليها ولا يبيت في غير بيته، إلى أن طلع زوجها يومًا من الأيام إلى الديوان، فرأى كل أمير معه ولد أو ولدان، وكان قد دخل الحمام ورأى وجهه في المرآة، فرأى بياض شعر ذقنه غطَّى سوادها، فقال في نفسه: هل الذي أخذ أباك لا يرزقك ولدًا. ثم دخل على زوجته وهو مغتاظ، فقالت له: مساء الخير. فقال لها: روحي من قدامي، من يوم رأيتك ما رأيتُ خيرًا. فقالت له: لأي شيء؟ فقال لها: ليلةَ دخلتُ عليك حلَّفتِني أني ما أتزوج عليك، ففي هذا اليوم رأيتُ الأمراء كلَّ واحد معه ولد، وبعضهم معه ولدان، فتذكرتُ الموتَ وأنا ما رُزِقت بولد ولا بنت، ومَن لا ذكر له لا يُذكَر، وهذا سبب غيظي؛ فإنكِ عاقر لا تحبلين مني. فقالت له: اسم الله عليك، أنا خرقت الأهوان من دق الصوف والعقاقير، وأنا ما لي ذنب والعاقة منك؛ لأنك بغل أفطس، وبيضك رائق لا يحبل ولا يجيء بأولاد. فقال لها: لما أرجع من السفر أتزوَّج عليك. فقالت له: نصيبي على الله.
وطلع من عندها وندما على معايرة بعضهما، فبينما زوجته تطلُّ من طاقتها وهي كأنها عروسة، كنز من المصاغ الذي عليها، وإذا بدليلة واقفة فرأتها، فنظرت عليها صيغة وثيابًا مثمنة، فقالت لنفسها: يا دليلة، لا أصنع من أن تأخذي هذه الصبية من بيت زوجها، وتعرِّيها من المصاغ والثياب، وتأخذي جميع ذلك. فوقفتْ وذكرتْ تحت شباك القصر، وقالت: الله الله. فرأت الصبية هذه العجوز وهي لابسة من الثياب البيض ما يشبه قبة من نورٍ، متهيئة بهيئة الصوفية، وهي تقول: احضروا يا أولياء الله. فطلَّتْ نساء الحارة من الطيقان، وقالت: شيئًا لله من المدد، هذه شيخة طالع من وجهها النور. فبكت خاتون زوجة الأمير حسن وقالت لجاريتها: انزلي قبِّلي يد الشيخ أبي علي البوَّاب، وقولي له: خليه يدخل الشيخة لنتبرَّك بها. فنزلت وقبَّلَتْ يده، وقالت: سيدتي تقول لك خل هذه الشيخة تدخل إلى سيدتي لنتبرَّك بها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.