فلما كانت الليلة ٧٠٠
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الجارية لما نزلت للبوَّاب وقالت له: سيدتي تقول لك: خل هذه الشيخة تدخل لسيدتي لتتبرك بها؛ لعل بركتها تعمُّ علينا. تقدَّمَ البواب وقبَّل يدها، فمنعته وقالت له: ابعد عني لئلا تنقض وضوئي، أنت الآخر مجذوب وملحوظ من الأولياء، الله يعتقك من هذه الخدمة يا أبا علي. وكان للبواب أجرة ثلاثة أشهر على الأمير، وكان معسرًا ولم يعرف أن يخلصها من ذلك الأمير، فقال لها: يا أمي، اسقيني من إبريقك لأتبرَّك بك. فأخذت الإبريق من كنفها وبرمت به في الهواء، وهزت يدها حتى طارت الليفة من فم الإبريق، فنزلت الثلاثة دنانير على الأرض، فنظرها البوَّاب والتقطها وقال في نفسه: شيء لله، هذه الشيخة من أصحاب التصرف، فإنها كاشفت عليَّ وعرفت أني محتاج للمصروف، فتصرَّفَتْ لي في حصول ثلاثة دنانير من الهواء. ثم أخذها في يده وقال لها: خذي يا خالتي الثلاثة دنانير التي وقعتْ على الأرض من إبريقك. فقالت له العجوز: أبعدها عني، فإني من ناس لا يشتغلون بدنيا أبدًا، خذها ووسِّعْ بها على نفسك عوضًا عن الذي لك على الأمير. فقال: شيئًا لله من المدد، وهذا من باب الكشف.
وإذا بالجارية قبَّلَتْ يدها، وأطلعتها لسيدتها. فلما دخلت رأت سيدة الجارية كأنها كنز انفكَّتْ عنه الطلاسم، فرحَّبت بها وقبَّلت يدها، فقالت لها: يا بنتي، أنا ما جئتك إلا بمشورة. فقدَّمت لها الأكل، فقالت لها: يا بنتي، أنا ما آكل إلا من مأكل الجنة، وأديم صيامي فلا أفطر إلا خمسة أيام في السنة، ولكن يا بنتي أنا أنظرك مكدرة، ومرادي أن تقولي لي على سبب تكديرك. فقالت: يا أمي، في ليلةٍ ما دخلت حلَّفْتُ زوجي أنه لا يتزوَّج غيري، فرأى الأولاد فتشوَّق إليهم، فقال لي: أنت عاقر. فقلت له: أنت بغل لا تحبِّل. فخرج غضبانَ، وقال لي: لما أرجع من السفر أتزوَّج عليك، وأنا خائفة يا أمي أن يطلِّقني ويأخذ غيري، فإن له بلادًا وزروعًا وجامكية واسعة، فإذا جاء له أولاد من غيري يملكون المال والبلاد مني. فقالت لها: يا بنتي، هل أنت عمياء عن شيخي أبي الحملات؟ فكلُّ مَن كان مديونًا وزاره قضى الله دينه، وإن زارَتْه عقيمٌ فإنها تحبل. فقالت: يا أمي، أنا من يوم دخلتُ ما خرجتُ لا معزِّية ولا مهنِّئة. وقالت لها العجوز: يا بنتي، أنا آخذك معي وأزوِّرك أبا الحملات، وارمي حملتك عليه، وانذري له عسى أنه يجيء زوجك من السفر ويجامعك، فتحبلي منه ببنت أو ولد، وكل شيء ولدتِه إن كان أنثى أو ذكرًا يبقى درويش الشيخ أبي الحملات. فقامت الصبية ولبست مصاغها جميعه، ولبست أفخر ما كان عندها من الثياب، وقالت للجارية: ألقي نظرك على البيت. فقالت: سمعًا وطاعة يا سيدتي.
ثم نزلت فقابَلَها الشيخ أبو علي البوَّاب، فقال لها: إلى أين يا سيدتي؟ فقالت له: أنا رائحة لأزور الشيخ أبا الحملات. فقال البوَّاب: صوم العام يلزمني، إن هذه الشيخة من الأولياء وملآنة بالولاية، وهي يا سيدتي من أصحاب التصريف؛ لأنها أعطتني ثلاثة دنانير من الذهب الأحمر، وكاشفت عليَّ من غير أن أسألها وعلمتْ أني محتاج. فخرجت العجوز والصبية زوجة الأمير حسن شر الطريق معها، والعجوز الدليلة المحتالة تقول للصبية: إن شاء الله يا بنتي لما تزورين الشيخ أبا الحملات يحصل لك جبر الخاطر، وتحبلين بإذن الله تعالى، ويحبك زوجك الأمير حسن ببركة هذا الشيخ، ولا يُسمِعك كلمةً تؤذي خاطرك بعد ذلك. فقالت لها: أزوره يا أمي. ثم قالت العجوز في نفسها: إني أعريها وآخذ ثيابها والناس رائحة وغادية؟ فقالت لها: يا بنتي، إذا مشيتُ فامشي ورائي على قدر ما تنظرينني؛ لأن أمك صاحبة حمل كثيرة، وكلُّ مَن كان عليه حملة يرميها عليَّ، وكلُّ مَن كان معه نذر يعطيه لي ويقبِّل يدي. فمشت الصبية وراءها بعيدًا عنها، والعجوز قدامها إلى أن وصلتا سوق التجار، والخلخال يرن، والعقوص تشن، فمرت على دكان ابن تاجرٍ يُسمَّى سيدي حسن، وكان مليحًا جد الإنبات بعارضيه، فرأى الصبية مُقبِلةً، وصار يلحظها شزرًا، فلما لحظت ذلك العجوز، غمزتِ الصبية وقالت لها: اقعدي على هذا الدكان حتى أجيء إليك. فامتثلت أمرها وقعدت قدام دكان ابن التاجر، فنظرها ابن التاجر نظرةً أعقبَتْه ألف حسرة، ثم أتته العجوز وسلَّمَتْ عليه وقالت له: هل أنت اسمك سيدي حسن ابن التاجر محسن؟ فقال لها: نعم، مَن أعلمك باسمي؟ فقالت: دَلَّني عليك أهل الخير، واعلم أن هذه الصبية بنتي وكان أبوها تاجرًا، فمات وخلَّف لها مالًا كثيرًا وهي بالغة، وقالت العقلاء: اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك. وعمرها ما خرجت إلا في هذا اليوم، وقد جاءت الإشارة، ونويت في سري أني أزوِّجك بها، وإنْ كنتَ فقيرًا أعطيتك رأس مال وافتح لك عوض الدكان اثنين. فقال ابن التاجر في نفسه: قد سألت الله عروسةً، فمَنَّ عليَّ بثلاثة أشياء؛ كيس وكس وكساء. ثم قال لها: يا أمي، نِعْمَ ما أشرتِ به عليَّ، فإن أمي طالما قالت لي: أريد أن أزوجك. لم أرضَ بل أقول: أنا لا أتزوج إلا على نظر عيني. فقالت له: قُمْ على قدميك واتبعني، وأنا أريها لك عريانة. فقام معها، وأخذ معه ألف دينار وقال في نفسه: ربما نحتاج شيئًا نشتريه. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.