فلما كانت الليلة ٧٠٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما أخذت حوائج ابن التاجر وحوائج الصبية، وقفلت الباب عليهما، وراحت إلى حال سبيلها، أودعت الذي كان معها عند رجل عطار، وراحت إلى الصباغ فرأته قاعدًا في انتظارها، فقال لها: إن شاء الله يكون البيت أعجبكم؟ فقالت: فيه بركة وأنا رائحة أجيء بالحمَّالين يحملون حوائجنا وفرشنا، وأولادي قد اشتهوا عليَّ عيشًا بلحم، فأنت تأخذ هذا الدينار، وتعمل لهما عيشًا بلحم وتروح تتغدى معهم. فقال الصباغ: ومَن يحرس المصبغة وحوائج الناس فيها؟ فقالت: صبيك. قال: وهو كذلك. ثم أخذ صحنًا ومكبة معه وراح يعمل الغداء.
هذا ما كان من أمر الصباغ وله كلام يأتي، وأما ما كان من أمر العجوز فإنها أخذت من العطار حوائج الصبية وابن التاجر، ودخلت المصبغة وقالت لصبي الصباغ: الحق معلمك وأنا لا أبرح حتى تأتيَا. فقال لها: سمعًا وطاعةً. ثم أخذت جميع ما فيها، وإذا برجل حمَّار حشَّاش له أسبوع وهو بطال، فقالت له العجوز: تعال يا حمَّار. فجاءها فقالت له: هل أنت تعرف ابن الصباغ؟ قال لها: أعرفه. قالت له: هذا مسكين قد أفلس وبقي عليه ديون، وكلما يحبس أطلقه، ومرادنا أن نثبت إعساره، وأنا رائحة أعطي الحوائج لأصحابها، ومرادي أن تعطيني الحمَار حتى أحمل عليه الحوائج للناس، وخذ هذا الدينار كراه، وبعد أن أروح تأخذ الدسترة وتنزح بها الذي في الخوابي، ثم تكسر الخوابي والدنان لأجل إذا نزل كشف من طرف القاضي لا يجد شيئًا في المصبغة. فقال لها: إن المعلم فضله عليَّ، وأعمل شيئًا لله. فأخذت الحوائج وحملتها فوق الحمار وستر عليها الستار، وعمدت إلى بيتها فدخلت على بنتها زينب، فقالت لها: قلبي عندك يا أمي، أي شيء عملت من المناصف؟ فقالت لها: أنا لعبت أربع مناصف على أربعة أشخاص؛ ابن تاجر وامرأة شاويش وصبَّاغ وحمَّار، وجئتُ لك بجميع حوائجهم على حمار الحمَّار. فقالت لها: يا أمي، ما بقيت تقدري أن تشقي في البلد من الشاويش الذي أخذتِ حوائج امرأته، وابن التاجر الذي عرَّيْتِه، والصباغ الذي أخذتِ حوائجَ الناس من مصبغته، والحمَّار صاحب الحمار. فقالت: آه يا بنتي، أنا ما أحسب إلا حساب الحمَّار، فإنه يعرفني.
وأما ما كان من أمر المعلم الصباغ، فإنه جهَّزَ العيش باللحم وحمله على رأس خادمه، وفات على المصبغة فرأى الحمَّار يكسر في الخوابي ولم يَبْقَ فيها قماش ولا حوائج، ورأى المصبغة خرابًا فقال له: ارفع يدك يا حمَّار. فرفع يده وقال له الحمَّار: الحمد لله على السلامة يا معلم، قلبي عليك. فقال له: لأي شيء؟ وما حصل لي؟ فقال له: قد صرتَ مُفلِسًا، وكتبوا حجةَ إعسارك. فقال له: مَن قال لك؟ فقال له: أمك قالت لي، وأمرتني بكسر الخوابي ونزح الدنان خوفًا من الكشاف إذا جاء ربما يجد في المصبغة شيئًا. فقال له: الله يخيب البعيد، إن أمي ماتت من منذ زمان. ودقَّ صدره بيده وقال: يا ضياع مالي ومال الناس. فبكى الحمَّار وقال: يا ضيعة حماري. ثم قال للصباغ: هات لي حماري من أمك. فتعلَّقَ الصبَّاغ بالحمَّار، وصار يلكمه ويقول: أحضِرْ لي العجوز. فقال له: أحضِرْ لي الحمار. فاجتمعت عليهما الخلائق. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.