فلما كانت الليلة ٧٠٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما قالت لنفسها: يا دليلة، ما منصف إلا أخذ هذا الولد من هذه الجارية. قالت بعد ذلك: يا فضيحة الشوم. ثم طلعت من جيبها برقة صغيرة من الصفر مثل الدينار، وكانت الجارية غشيمة، ثم قالت العجوز للجارية: خذي هذا الدينار وادخلي لسيدتك وقولي لها: أم الخير فرحت لك وفضلك عليها، ويوم المحضر تجيء هي وبناتها وينعمن على المواشط بالنقوط. فقالت الجارية: يا أمي، وسيدي هذا كلما ينظر أمه يتعلق بها. فقالت: هاتيه معي حتى تروحي وتجيئي. فأخذت الجارية البرقة ودخلت، وأما العجوز فإنها أخذت الولد وراحت إلى زقاق، فقلَّعته الصيغة والثياب التي عليه، وقالت لنفسها: يا دليلة، ما شطارة إلا مثل ما لعبت على الجارية وأخذتِه منها، أن تعملي منصفًا وتجعليه رهنًا على شيء بألف دينار. ثم ذهبت إلى سوق الجواهرجية، فرأت يهوديًّا صائغًا وقدَّامه قفص ملآن صيغة، فقالت لنفسها: ما شطارة إلا أن تحتالي على هذا اليهودي وتأخذي منه صيغة بألف دينار، وتحطي الولد رهنًا عنده عليها. فنظر اليهودي بعينه فرأى الولد مع العجوز، فعرف أنه ابن شاه بندر التجار، وكان اليهودي صاحب مال كثير، وكان يحسد جاره إذا باع بيعة ولم يبع هو، فقال لها: أي شيء تطلبين يا سيدتي؟ فقالت له: أنت المعلم عذرة اليهودي؟ — لأنها كانت سألت عن اسمه — فقال لها: نعم. فقالت له: أخت هذا الولد بنت شاه بندر التجار مخطوبة، وفي هذا اليوم عملوا أملاكها وهي محتاجة لصيغة، فأتِ لنا بزوجين خلاخيل ذهبًا، وزوج أساور ذهبًا، وحلق لؤلؤ وحياصة وخنجر وخاتم. فأخذت منه شيئًا بألف دينار وقالت له: أنا آخذ هذا المصاغ على المشاورة، فالذي يعجبهم يأخذونه وآتي إليك بثمنه، وخذ هذا الولد عندك. فقال: الأمر كما تريدين. فأخذت الصيغة وراحت بيتها، فقالت لها بنتها: أي شيء فعلت من المناصف؟ فقالت: لعبت منصفًا، فأخذت ابن شاه بندر التجار وأعريته، ثم رحت رهنته على مصالح بألف دينار، فأخذتها من يهودي. فقالت لها بنتها: ما بقيت تقدري أن تمشي في البلد.
وأما الجارية فإنها دخلت لسيدتها، وقالت: يا سيدتي، إن أم الخير تسلِّم عليك وفرحت لك، ويوم المحضر تجيء هي وبناتها ويعطين النقوط. فقالت لها سيدتها: وأين سيدك؟ فقالت لها: خليته عندها خوفًا أن يتعلق بك، وأعطتني نقوطًا للمغنيات. فقالت لرئيسة المغنيات: خذي نقوطك. فأخذته فوجدته برقة من الصفر، فقالت لها سيدتها: انزلي يا عاهرة انظري سيدك. فنزلت الجارية فلم تجد الولد ولا العجوز، فصرخت وانقلبت على وجهها، وتبدَّل فرحهم بحزن، وإذا بشاه بندر التجار أقبل، فحكت له زوجته جميع ما جرى، فطلع يفتش عليه، وصار كل تاجر يفتش من طريق، ولم يزل شاه بندر التجار يفتش حتى رأى ابنه عريانًا على دكان اليهودي، فقال له: هذا ولدي. فقال اليهودي: نعم. فأخذه أبوه ولم يسأل عن ثيابه لشدة فرحه به.
وأما اليهودي فإنه لما رأى التاجر أخذ ابنه، تعلَّقَ به وقال: الله ينصر فيك الخليفة. فقال له التاجر: ما بالك يا يهودي؟ فقال اليهودي: إن العجوز أخذتْ مني صيغةً لبنتك بألف دينار، ورهنت هذا الولد عندي وما أعطيتها إلا لأنها تركت هذا الولد عندي رهنًا على الذي أخذته، وما ائتمنتها إلا لكوني أعرف أن هذا الولد ولدك. فقال التاجر: إن بنتي لا تحتاج إلى صيغة، فاحضر لي ثياب الولد. فصرخ اليهودي وقال: أدركوني يا مسلمين، وإذا بالحمَّار والصبَّاغ وابن التاجر دائرون يفتشون على العجوز، فسألوا التاجر واليهودي عن سبب خناقهما، فحكيا لهم ما حصل، فقالوا: إن هذه عجوز نصَّابة ونصبت علينا قبلكما. وحكوا جميع ما جرى لهم معها، فقال شاه بندر التجار: لما لقيت ولدي، الثياب فداه، وإن وقعت العجوز طلبت الثياب منها. فتوجه شاه بندر التجار بابنه لأمه، ففرحت بسلامته.
وأما اليهودي فإنه سأل الثلاثة وقال لهم: أين تذهبون أنتم؟ فقالوا له: إنا نريد أن نفتش عليها. فقال لهم: خذوني معكم. ثم قال لهم: هل فيكم مَن يعرفها؟ قال الحمَّار: أنا أعرفها. فقال لهم اليهودي: إن طلعنا سواء لا يمكن أن نجدها وتهرب منَّا، ولكن كل واحد منا يروح من طريق، ويكون اجتماعنا على دكان الحاج مسعود المزين المغربي. فتوجه كل واحد من طريق، وإذا هي طلعت لتعمل منصفًا، فرآها الحمَّار فعرفها فتعلَّقَ بها، وقال لها: ويلك، أَلَكِ زمان على هذا الأمر؟ فقالت له: ما خبرك؟ قال لها: حماري هاتيه. فقالت له: استر ما ستر الله يا ابني، أنت طالب حمارك وإلا حوائج الناس؟ فقال: طالب حماري فقط. فقالت له: أنا رأيتك فقيرًا وحمارك أودعته لك عند المزين المغربي، فقف بعيدًا حتى أصل إليك وأقول له بلطافة أن يعطيك إياه. وتقدمت للمغربي، وقبَّلَتْ يده وبكت، فقال لها: ما بالك؟ فقالت له: يا ولدي، انظر ولدي الذي واقف كان ضعيفًا واستهوى فأفسد الهواء عقله، وكان يقني الحمير، فإن قام يقول حماري، وإن قعد يقول حماري، وإن مشى يقول حماري، فقال لي حكيم من الحكماء: إنه اختلَّ في عقله، ولا يطيبه إلا قلع ضرسين، ويُكوَى في أصداغه مرتين، فخذ هذا الدينار ونادِهْ وقل له: حمارك عندي. فقال المغربي: صوم العام يلزمني لأعطينه حماره في كفه. وكان عنده اثنان صنائعية، فقال لواحد منهما: رُحِ احم مسمارين. ثم نادى الحمَّار، والعجوز راحت إلى حال سبيلها. فلما جاءه قال: إن حمارك عندي يا مسكين تعالَ خذه، وحياتي لأعطينك إياه في كفك. ثم أخذه ودخل به في قاعة مظلمة، وإذا بالمغربي لكمه فوقع، فسحبوه وربطوا يديه ورجليه، وقام المغربي قلع له ضرسين، وكواه على صدغه كيتين، ثم تركه، فقام وقال: يا مغربي، لأي شيء عملت معي هذا الأمر؟ فقال له: إن أمك أخبرتني أنك مختل العقل؛ لأنك هويت وأنت مريض، وإن قمتَ تقول حماري، وإن قعدت تقول حماري، وإن مشيت تقول حماري، وهذا حمارك في يدك. فقال له: تلقى من الله بسبب تقليعك أضراسي. فقال له: إن أمك قالت لي … وحكى له جميع ما قالت، فقال: الله ينكِّد عليها. وذهب الحمَّار هو والمغربي يتخاصمان وترك الدكان، فلما رجع المغربي إلى دكانه لم يجد فيها شيئًا، وكانت العجوز حين راح المغربي هو والحمَّار، أخذتْ جميعَ ما في دكانه وراحت لبنتها وحكت لها جميع ما وقع لها وما فعلت.
وأما المزين، فإنه لما رأى دكانه خالية تعلق بالحمَّار، وقال له: أحضر لي أمك؟ فقال له: ما هي أمي، وإنما هي نصَّابة نصبت على ناس كثير وأخذت حماري. وإذا بالصباغ واليهودي وابن التجار مُقبِلون، فرأوا المغربي متعلقًا بالحمَّار والحمَّار مكويًّا في أصداغه، فقالوا له: ما جرى لك يا حمَّار؟ فحكى لهم جميع ما جرى، وكذلك المغربي حكى قصته؛ فقالوا له: إن هذه عجوز نصابة نصبت علينا. وحكوا له ما وقع؛ فقفل دكانه وراح معهم إلى بيت الوالي، وقالوا للوالي: ما نعرف حالنا ومالنا إلا منك. فقال الوالي: وكم عجائز في البلد؟ هل فيكم مَن يعرفها؟ فقال الحمار: أنا أعرفها، ولكن أعطنا عشرة من أتباعك. فخرج الحمَّار بأتباع الوالي والباقي وراءهم، ورأى الحمَّار بالجميع، وإذا بالعجوز دليلة مُقبِلة فقبضها هو وأتباع الوالي، وراحوا بها إلى الوالي، فوقفوا تحت شباك القصر حتى يخرج الوالي. ثم إن أتباع الوالي ناموا من كثرة سهرهم مع الوالي، فجعلت العجوز نفسها نائمة، فنام الحمَّار ورفقاؤه كذلك، فانسلَّتْ منهم، ودخلت إلى حريم الوالي، فقبَّلَتْ يد سيدة الحريم وقالت لها: أين الوالي؟ فقالت: نائم، أي شيء تطلبين؟ فقالت: إن زوجي يبيع الرقيق، فأعطاني خمسة مماليك أبيعهم وهو مسافر، فقابلني الوالي ففصلهم مني بألف دينار ومائتين لي، وقال لي: أوصليهم إلى البيت. فأنا جئت بهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.