فلما كانت الليلة ٧٠٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن العجوز لما طلعت إلى حريم الوالي، قالت لزوجته: إن الوالي فصل مني المماليك بألف دينار ومائتَيْ دينار لي، وقال لي: أوصليهم البيت. وكان الوالي عنده ألف دينار، وقال لزوجته: احفظيها حتى نشتري بها مماليك. فلما سمعت من العجوز هذا الكلام، تحقَّقَتْ من زوجها ذلك فقالت: وأين المماليك؟ قالت العجوز: يا سيدتي، هم نائمون تحت شباك القصر الذي أنتِ فيه. فطلَّتِ السيدة من الشباك فرأت المغربي لابسًا لبس المماليك، وابن التاجر في صورة مملوك، والصبَّاغ والحمَّار واليهودي في صورة المماليك الحليق، فقالت زوجة الوالي: هؤلاء كل مملوك أحسن من ألف دينار. ففتحت الصندوق وأعطت العجوز الألف دينار وقالت لها: اصبري حتى يقوم الوالي من النوم، ونأخذ لك منه المائتَيْ دينار. فقالت لها: يا سيدتي، منهم مائة دينار لك تحت القلة الشربات التي شربتها، والمائة الأخرى احفظيها لي عندك حتى أحضر. ثم قالت: يا سيدتي، أطلعيني من باب السر. فطلعتها منه وستر عليها الستار، وراحت لبنتها، فقالت لها: يا أمي، ما فعلتِ؟ فقالت: يا بنتي، لعبت منصفًا وأخذت هذا الألف دينار من زوجة الوالي، وبعت الخمسة لها: الحمَّار واليهودي والصبَّاغ والمزين وابن التاجر، وجعلتهم مماليك، ولكن يا بنتي ما عليَّ أضر من الحمَّار، فإنه يعرفني. فقالت لها: يا أمي، اقعدي يكفي ما فعلتِ، فما كل مرة تسلم الجرة.
وأما الوالي، فإنه لما قام من النوم قالت له زوجته: فرحتُ لك بالخمسة مماليك الذين اشتريتَهم من العجوز. فقال لها: أي مماليك؟ فقالت له: لأي شيء تنكر مني؟ إن شاء الله يصيرون مثلك أصحاب مناصب. فقال لها: وحياة رأسي ما اشتريت مماليك، مَن قال ذلك؟ فقالت: العجوز دليلة التي فصلتهم منها، وواعدتها أنك تعطيها حقَّهم ألف دينار ومائتين لها. فقال لها: وهل أعطيتِها المال؟ قالت له: نعم، وأنا رأيت المماليك بعيني، كل واحد عليه بدلة تساوي ألف دينار، وأرسلت وصَّيت عليهم المقدمين. فنزل الوالي فرأى اليهودي والحمَّار والمغربي والصباغ وابن التاجر. فقال: يا مقدمين، أين الخمسة مماليك الذين اشتريناهم من العجوز بألف دينار؟ فقالوا: ما هنا مماليك، ولا رأينا إلا هؤلاء الخمسة الذين أمسكوا العجوز وقبضوا عليها، فنمنا كلنا، ثم إنها انسلَّتْ ودخلت الحريم وأتتِ الجارية تقول: هل الخمسة الذين جاءت بهم العجوز عندكم؟ فقلنا: نعم. فقال الوالي: والله إن هذا أكبر منصف. والخمسة يقولون: ما نعرف حوائجنا إلا منك. فقال لهم: إن العجوز صاحبتكم باعتكم لي بألف دينار. فقالوا: ما يحل من الله، نحن أحرار لا نباع، ونحن وإياك للخليفة. فقال لهم: ما عرَّفَ العجوز طريق البيت إلا أنتم، ولكن أنا أبيعكم للأغراب كل واحد بمائتَيْ دينار.
فبينما هم كذلك وإذا بالأمير حسن شر الطريق جاء من سفره ورأى زوجته عريانة، وحكت له جميع ما جرى لها، فقال: أنا ما خصمي إلا الوالي. فدخل عليه وقال له: هل أنت تأذن للعجائز أن تدور في البلد وتنصب على الناس وتأخذ أموالهم؟ هذا عهدتك ولا أعرف حوائج زوجتي إلا منك. ثم قال للخمسة: ما خبركم؟ فحكوا جميع ما جرى، فقال لهم: أنت مظلومون. والتفت للوالي وقال له: لأي شيء تسجنهم؟ فقال له: ما عرَّف العجوز طريق بيتي إلا هؤلاء الخمسة حتى أخذت مالي الألف دينار وباعتهم للحريم. فقالوا: يا أمير حسن، أنت وكيلنا في هذه الدعوة. ثم إن الوالي قال للأمير حسن: حوائج امرأتك عندي، وضمان العجوز عليَّ، ولكن مَن يعرفها منكم؟ فقالوا كلهم: نحن نعرفها، أرسلْ معنا عشرةَ مقدمين ونحن نمسكها. فأعطاهم عشرة مقدمين، فقال لهم الحمَّار: اتبعوني فإني أعرفها بعيون زرق. وإذا بالعجوز دليلة مُقبِلة من زقاق، وإذا بهم قبضوها وساروا بها إلى بيت الوالي، فلما رآها الوالي قال: أين حوائج الناس؟ فقالت: لا أخذتُ ولا رأيتُ. فقال للسجَّان: احبسها عندك للغد. قال السجَّان: أنا لا آخذها ولا أسجنها مخافة أن تعمل منصفًا وأصير أنا مُلزَمًا بها. فركب الوالي وأخذ العجوز والجماعة وخرج بهم إلى شاطئ دجلة، ونادى للمشاعلي وأمره بصلبها من شعرها، فسحبها المشاعلي في البكر، واستحفظ عليها عشرة من الناس، وتوجَّهَ الوالي لبيته إلى أن أقبل الظلام، وغلب النوم على المحافظين؛ وإذا برجل بدوي سمع رجل يقول لرفيقه: الحمد لله على السلامة، أين هذه الغيبة؟ فقال له: في بغداد، وتغديت زلابية بعسل. فقال البدوي: لا بد من دخولي بغداد، وآكل فيها زلابية بعسل. وكان عمره ما رآها ولا دخل بغداد. فركب حصانه، وسار وهو يقول لنفسه: الزلابية كلها زين، وذمة العرب ما آكل إلا زلابية بعسل. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.