فلما كانت الليلة ٥٥٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن السندباد البحري بعد أن زوَّجَه الملك وعقد له على امرأة عظيمة، قال: ثم إنه أعطاني بيتًا عظيمًا مليحًا بمفرده، وأعطاني خَدَمًا وحشمًا، ورتَّبَ له جرايات وجوامك، وصرت في غاية الراحة والبسط والانشراح، ونسيت جميع ما حصل لي من التعب والمشقة والشدة، وقلت في نفسي: إذا سافرتُ إلى بلادي آخذها معي، وكلُّ مقدر على الإنسان لا بد منه، ولم يعلم أحد بما يجري له، وقد أحببتها وأحبتني محبة عظيمة، ووقع الوفاق بيني وبينها، وقد أقمنا في ألذ عيش وأرغد مورد. ولم نزل على هذه الحالة مدةً من الزمان، فأفقد الله تعالى زوجة جاري، وكان صاحبًا لي، فدخلت إليه لأعزِّيه في زوجته، فرأيته في أسوأ حال، وهو مهموم تعبان السر والخاطر، فعند ذلك عزيته وسليته، وقلت له: لا تحزن على زوجتك، الله يعوضك خيرًا بأحسن منها، ويكون عمرك طويلًا إن شاء الله تعالى. فبكى بكاءً شديدًا، وقال لي: يا صاحبي، كيف أتزوَّج بغيرها؟ أو كيف يعوِّضني الله خيرًا منها، وأنا بقي من عمري يوم واحد؟ فقلت له: يا أخي، ارجع لعقلك، ولا تبشِّر على روحك بالموت؛ فإنك طيب بخير وعافية. فقال لي صاحبي: وحياتك في غدٍ تعدمني، وما بقيت عمرك تنظرني. فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال لي: في هذا النهار يدفنون زوجتي، ويدفنوني معها في القبر، فإنها عادتنا في بلادنا، إذا ماتَتِ المرأة يدفنون معها زوجها بالحياة، وإن مات الرجل يدفنون معه زوجته بالحياة، حتى لا يتلذذ أحد منهم بالحياة بعد رفيقه. فقلت له: بالله إن هذه العادة رديئة جدًّا، وما يقدر عليها أحد.
فبينما نحن في ذلك الحديث، وإذا بغالب أهل المدينة قد حضروا وصاروا يعزون صاحبي في زوجته، وفي نفسه، وقد شرعوا في تجهيزها على جري عادتهم، فأحضروا تابوتًا، وحملوا فيه المرأة، وذلك الرجل معهم، وخرجوا بهما إلى خارج المدينة، وأتوا إلى مكان في جانب الجبل على البحر، وتقدَّموا على مكان، ورفعوا عنه حجرًا كبيرًا، فبان من تحت ذلك الحجر خرزة من حجر مثل خرزة البئر، فرموا تلك المرأة فيها، وإذا هو جب كبير تحت الجبل، ثم إنهم جاءوا بذلك الرجل، وربطوه تحت صدره في سلبة، وأنزلوه في ذلك الجب، وأنزلوا عنده كوزَ ماءٍ عذبٍ كبيرًا، وسبعة أرغفة من الزاد، ولما نزلوه، فكَّ نفسه من السلبة، فسحبوا السلبة، وغطوا فم البئر بذلك الحجر مثلما كان، وانصرفوا إلى حال سبيلهم، وتركوا صاحبي عند زوجته في الجب، فقلت في نفسي: والله إن هذا الموت أصعب من الموت الأول. ثم إني جئتُ عند ملكهم وقلت له: يا سيدي، كيف تدفنون الحي مع الميت في بلادكم؟ فقال لي: اعلم أن هذه عادتنا في بلادنا، إذا مات الرجل ندفن معه زوجته، وإذا ماتت المرأة ندفن معها زوجها بالحياة حتى لا نفرِّق بينهما في الحياة، ولا في الممات، وهذه العادة عن أجدادنا. فقلت: يا ملك الزمان، وكذلك الرجل الغريب مثلي إذا ماتَتْ زوجته عندكم تفعلون به مثل ما فعلتم بهذا؟ فقال لي: نعم، ندفنه معها، ونفعل به كما رأيتَ. فلما سمعت ذلك الكلام منه انشقَّتْ مرارتي من شدة الغم والحزن على نفسي، وذهل عقلي، وصرت خائفًا أن تموت زوجتي قبلي فيدفنوني معها وأنا بالحياة. ثم إني سليت نفسي وقلت: لعلي أموت أنا قبلها، ولا يعلم أحدٌ السابقَ من اللاحق. وصرت أتلهَّى في بعض الأمور، فما مضت مدة يسيرة بعد ذلك حتى مرضت زوجتي، وقد مكثت أيامًا قلائل وماتت، فاجتمع غالب الناس يعزونني، ويعزون أهلها فيها، وقد جاءني الملك يعزيني فيها على جري عادتهم.
ثم إنهم جاءوا لها بغاسلة فغسلوها، وألبسوها أفخر ما عندها من الثياب والمصاغ والقلائد والجواهر من المعادن، فلما ألبسوا زوجتي وحطوها في التابوت، وحملوها وراحوا بها إلى ذلك الجبل، ورفعوا الحجر عن فم الجب وألقوها فيه، تقدَّمَ جميع أصحابي وأهل زوجتي يودِّعونني في روحي، وأنا أصيح بينهم: أنا رجل غريب، وليس لي صبر على عادتكم. وهم لا يسمعون قولي، ولا يلتفتون إلى كلامي؛ ثم إنهم أمسكوني وربطوني بالغصب، وربطوا معي سبعة أقراص من الخبز، وماء عذب على جري عادتهم، وأنزلوني في ذلك البئر، فإذا هو مغارة كبيرة تحت ذلك الجبل، وقالوا لي: فكَّ نفسك من الحبال. فلم أرضَ أن أفكَّ نفسي، فرموا عليَّ الحبال، ثم غطوا فم ذلك البئر بذلك الحجر الكبير الذي كان عليه، وراحوا إلى حال سبيلهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.