فلما كانت الليلة ٧٠٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن البدوي لما ركب حصانه، وأراد دخول بغداد، سار وهو يقول لنفسه: أكل الزلابية زين، وذمة العرب أنا لا آكل إلا زلابية بعسل. إلى أن وصل عند مصلب دليلة؛ فسمعته وهو يقول لنفسه هذا الكلام، فأقبل عليها وقال لها: أي شيء أنت؟ فقالت له: أنا في جيرتك يا شيخ العرب. فقال لها: إن الله قد أجارك، ولكن ما سبب صلبك؟ فقالت له: لي عدو زيات يقلي الزلابية، فوقفت أشتري منه شيئًا، فبزقتُ فوقعت بزقتي على الزلابية، فاشتكاني للحاكم فأمر الحاكم بصلبي وقال: حكمت أنكم تأخذوا لها عشرة أرطال زلابية بعسل وتطعمونها إياها وهي مصلوبة، فإن أكلتها فحلوها، وإن لم تأكلها فخلوها مصلوبة، وأنا نفسي ما تقبل الحلو. فقال البدوي: وذمة العرب ما جئتُ من النجع إلا لأجل الزلابية بالعسل، وأنا آكلها عوضًا عنك. فقالت له: هذه ما يأكلها إلا الذي يتعلَّق موضعي. فانطبقت عليه الحيلة، فحَلَّها وربطته موضعها بعدما قلَّعته الثياب التي كانت عليه، ثم إنها لبست ثيابه وتعمَّمت بعمامته وركبت حصانه وراحت لبنتها، فقالت لها بنتها: ما هذا الحال؟ فقالت لها: صلبوني. وحكت لها ما وقع لها مع البدوي.
هذا ما كان من أمرها، وأما ما كان من أمر المحافظين، فإنه لما صحا واحد منهم نبَّهَ جماعته، فرأوا النهار قد طلع، فرفع واحد منهم عينه، وقال: دليلة؟ فأجابه البدوي وقال: والله ما نأكل بليلة، هل أحضرتم الزلابية بالعسل؟ فقالوا: هذا رجل بدوي. فقالوا له: يا بدوي، أين دليلة؟ ومَن فكَّها؟ فقال: أنا فككتها، ما تأكل الزلابية بالعسل غصبًا؛ لأن نفسها لم تقبلها. فعرفوا أن البدوي جاهل بحالها، فلعبت عليه منصفًا. وقالوا لبعضهم: هل نهرب أو نستمر حتى نستوفي ما كتبه الله علينا؟ وإذا بالوالي مُقبِل ومعه الجماعة الذين نصبت عليهم، فقال الوالي للمقدمين: قوموا فكوا دليلة. فقال البدوي: ما نأكل بليلة، هل أحضرتم الزلابية بعسل؟ فرفع الوالي عينه إلى المصلب، فرأى بدويًّا بدل العجوز، فقال للمقدمين: ما هذا؟ فقالوا: الأمان يا سيدي. فقال لهم: احكوا لي ما جرى. فقالوا: نحن كنا سهرنا معك في العَسَسِ، وقلنا دليلة منصوبة ونعسنا، فلما صحونا رأينا هذا البدوي مصلوبًا ونحن بين يديك. فقال: يا ناس، هذه نصابة وأمان الله عليكم فحلوا البدوي. فتعلق البدوي بالوالي وقال: الله ينصر فيك الخليفة، أنا ما أعرف حصاني وثيابي إلا منك. فسأله الوالي، فحكى له البدوي قصته؛ فتعجَّبَ الوالي وقال له: لأي شيء حلَلْتَها؟ فقال له: ما عندي خبر أنها نصابة. فقال الجماعة: نحن ما نعرف حوائجنا إلا منك يا والي، فإننا سلَّمناها إليك، وصارت في عهدتك، ونحن وإياك إلى ديوان الخليفة. وكان حسن شر الطريق طلع الديوان، وإذا بالوالي والبدوي والخمسة مُقبِلون وهم يقولون: إننا مظلومون. فقال الخليفة: مَن ظلمكم؟ فتقدَّمَ كلُّ واحد منهم وحكى له ما جرى عليه، حتى الوالي قال: يا أمير المؤمنين، إنها نصبت عليَّ، وباعت لي هؤلاء الخمسة بألف دينار مع أنهم أحرار. فقال الخليفة: جميع ما عدم لكم عندي. وقال للوالي: ألزمتُك بالعجوز. فنفض الوالي طوقه وقال: لا ألتزم بذلك بعدما علَّقْتُها في المصلب، فلعبتْ على هذا البدوي حتى خلَّصَها وعلَّقَتْها في موضعها وأخذت حصانه وثيابه. فقال الخليفة: هل ألزم بها من غيرك؟ فقال له: الزم بها أحمد الدنف، فإن له في كل شهر ألف دينار، ولأحمد الدنف من الأتباع واحد وأربعون، لكل واحد في كل شهر مائة دينار. فقال الخليفة: يا مقدم أحمد. قال له: لبيك يا أمير المؤمنين. قال له: ألزمتك بحضور العجوز. فقال: ضمانها عليَّ. ثم إن الخليفة حجز الخمسة والبدوي عنده. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.