فلما كانت الليلة ٧٠٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن الحمَّار لما قام وقال: شرع الله بيني وبينها، ما كفاها أخذ حماري حتى سلطت عليَّ المزين، فقلع أضراسي وكواني في أصداغي كيتين. أمر الخليفة للحمَّار بمائة دينار، وللصبَّاغ بمائة دينار، وقال: انزل عمِّرْ مصبغتك. فدعَوَا للخليفة ونزلَا، وأخذ البدوي حوائجه وحصانه، وقال: حرام عليَّ دخول بغداد وأكل الزلابية بالعسل. وكلُّ مَن كان له شيء أخذه، وانفضوا كلهم. وقال الخليفة: تمني عليَّ يا دليلة. فقالت: إن أبي كان عندك حاكم البطاقة، وأنا ربيت حمام الرسائل، وزوجي كان مقدم بغداد، ومرادي استحقاق زوجي، ومراد بنتي استحقاق أبيها. فرسم لهما الخليفة بما أرادتاه، ثم قالت له: أتمنى عليك أن أكون بوَّابة الخان. وكان الخليفة قد عمل خانًا بثلاثة أدوار ليسكن فيه التجار، وكان متدركًا بالخان أربعون عبدًا وأربعون كلبًا، وكان الخليفة جاء بهم من ملك السليمانية حين عزله، وعمل للكلاب أطواقًا، وكان في الخان عبد طباخ يطبخ الطعام للعبيد ويُطعِم الكلاب اللحم. فقال الخليفة: يا دليلة، أكتب عليك درك الخان، وإنْ ضاع منه شيء تكوني مُطالَبة به؟ فقالت: نعم، ولكن أسكِنْ بنتي في القصر الذي على باب الخان، فإن القصر له سطوح ولا تصح تربية الحمام إلا في الوسع. فأمر لها بذلك، وحوَّلت بنتها جميع حوائجها في القصر الذي على باب الخان، وتسلَّمَتِ الأربعين طيرًا التي تحمل الرسائل؛ وأما زينب فإنها علقت الأربعين بدلة وبدلة أحمد الدنف عندها في القصر، وكان الخليفة جعل دليلة المحتالة رئيسة على الأربعين عبدًا، وأوصاهم بإطاعتها، وجعلت محل قعودها خلف باب الخان، وصارت كلَّ يوم تطلع الديوان لربما يحتاج الخليفة إلى إرسال بطاقة للبلاد، فلم تنزل من الديوان إلا آخِر النهار، والأربعون عبدًا واقفون يحرسون الخان، فإذا دخل الليل تُطلِق الكلاب لأجل أن تحرس الخان بالليل. هذا ما جرى لدليلة المحتالة في مدينة بغداد.
حكاية علي الزيبق المصري
وأما ما كان من أمر علي الزيبق المصري، فإنه كان شاطرًا بمصر في زمن رجل يُسمَّى صلاح المصري مقدم ديوان مصر، وكان له أربعون تابعًا، وكان أتباع صلاح المصري يعملون مكائد للشاطر علي ويظنون أنه يقع فيها، فيفتشون عليه فيجدونه قد هرب كما يهرب الزيبق، فمن أجل ذلك لقَّبوه بالزيبق المصري. ثم إن الشاطر علي كان جالسًا يومًا من الأيام في قاعةٍ بين أتباعه، فانقبض قلبه وضاق صدره، فرآه نقيب القاعة قاعدًا عابس الوجه، فقال له: ما لك يا كبيري؟ إن ضاق صدرك فشقَّ شقة في مصر، فإنه يزول عنك الهم إذا مشيتَ في أسواقها. فقام وخرج ليشق في مصر؛ فازداد غمًّا وهمًّا، فمرَّ على خمارة، فقال لنفسه: أدخل وأسكر. فدخل فرأى في الخمارة سبعة صفوف من الخلق، فقال: يا خمَّار، أنا ما أقعد إلا وحدي. فأجلسه الخمَّار في طبقة وحده، وأحضر له المدام، فشرب حتى غاب عن الوجود، ثم طلع من الخمارة وسار في مصر، ولم يزل سائرًا في شوارعها حتى وصل إلى الدرب الأحمر، وخلت الطريق قدامه من الناس هيبةً له، فالتفَتَ فرأى رجلًا سقَّاء يسقي بالكوز، ويقول في الطريق: يا معوض، ما شراب إلا من زبيب، ولا وصال إلا من حبيب، ولا يجلس في الصدر إلا لبيب. فقال له: تعالَ اسقني. فنظر إليه السقَّاء وأعطاه الكوز، فطلَّ في الكوز وخضَّه وكبَّه على الأرض، فقال له السقَّاء: ما تشرب؟ فقال له: اسقني. فملأه فأخذه وخضَّه وكبَّه في الأرض، وثالث مرة كذلك. فقال له: إن كنتَ ما تشرب روح. فقال له: اسقني. فملأ الكوز وأعطاه إياه، فأخذه منه وشرب، ثم أعطاه دينارًا، وإذا بالسقَّاء نظر إليه واستقلَّ به، وقال له: أَنْعِم بك، أَنْعِم بك يا غلام، صغار قوم كبار قوم آخَرين. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.