فلما كانت الليلة ٧١٢
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عليًّا المصري لمَّا نزل في البئر وأخذت ثيابه، راحت إلى أمها وقالت لها: قد عرَّيتُ عليًّا المصري، وأوقعته في بئر الأمير حسن صاحب الدار، وهيهات أن يخلص. وأما الأمير حسن صاحب الدار، فإنه كان في وقتها غائبًا في الديوان، فلما أقبل رأى بيته مفتوحًا، فقال للسائس: لأي شيء ما أغلقتَ الضبة؟ فقال: يا سيدي، إني أغلقتها بيدي. فقال: وحياة رأسي إن بيتي قد دخله حرامي. ثم دخل الأمير حسن وتلفَّتَ في البيت فلم يجد أحدًا، فقال للسائس: املأ الإبريق حتى أتوضأ. فأخذ السائس الدلو وأدلاه، فلما سحبه وجده ثقيلًا، فطلَّ في البئر فرأى شيئًا قاعدًا في السطل، فألقاه في البئر ثانيًا، ونادى وقال: يا سيدي، قد طلع لي عفريت من البئر. فقال له الأمير حسن: رح هات أربعة فقهاء يقرءون القرآن عليه حتى ينصرف. فلما أحضر الفقهاء قال لهم: احتاطوا بهذا البئر واقرءوا على هذا العفريت. ثم جاء العبد والسائس وأنزلَا الدلو، وإذا بعلي المصري تعلَّقَ به، وخبَّأ نفسه في الدلو، وصبر حتى صار قريبًا منهم، ووثب من الدلو وقعد بين الفقهاء. فصاروا يلطشون بعضهم، ويقولون: عفريت عفريت. فرآه الأمير حسن غلامًا إنسيًّا، فقال له: هل أنت حرامي؟ فقال: لا. فقال له: ما سبب نزولك في البئر؟ فقال له: أنا نمت واحتلمت، فنزلت لأغتسل في بحر الدجلة فغطست وجذبني الماء تحت الأرض حتى خرجت من هذه البئر. فقال له: قُلِ الصدقَ. فحكى له جميع ما جرى له، فأخرجه من البيت بثوبٍ قديم، فتوجَّهَ إلى قاعة أحمد الدنف وحكى له ما وقع له، فقال: أَمَا قلتُ لك إن بغداد فيها نساء تلعب على الرجال؟ فقال علي كتف الجمل: بحق الاسم الأعظم أن تخبرني كيف تكون رئيس فتيان مصر وتعرِّيك صبية؟ فصعب عليه ذلك وندم، فكساه أحمد الدنف بدلة غيرها.
ثم قال حسن شومان: هل أنت تعرف الصبية؟ فقال: لا. فقال له: هذه زينب بنت دليلة المحتالة بوابة خان الخليفة، فهل وقعتَ في شبكتها يا علي؟ قال: نعم. فقال له: يا علي، إن هذه أخذت ثياب كبيرك وثياب جميع صبيانه. فقال: هذا عار عليكم. فقال له: وأي شيء مرادك؟ فقال: مرادي أن أتزوَّج بها. فقال له: هيهات، سلِّ فؤادك عنها. فقال له: وما حيلتي في زواجها يا شومان؟ فقال: مرحبًا بك إن كنتَ تشرب من كفي، وتمشي تحت رايتي، بلغت مرادك منها. فقال له: نعم. فقال له: يا علي، اقلع ثيابك. فقلع ثيابه وأخذ قدرًا وغلى فيه شيئًا مثل الزفت، ودهنه به، فصار مثل العبد الأسود، ودهن شفتيه وخديه وكحَّلَه بكحل أحمر، وألبسه ثياب خدام، وأحضر عنده سفرة كباب ومدام وقال له: إن في الخان عبدًا طباخًا، وأنت صرت شبيهه، ولا يحتاج من السوق إلا اللحمة والخضار، فتوجَّه إليه بلطف وكلِّمه بكلام العبيد وسلِّم عليه وقل له: زمان ما اجتمعت بك في البوظة. فيقول لك: أنا مشغول، في رقبتي أربعون عبدًا أطبخ لهم سماطًا في الغداء، وسماطًا في العشاء، وأطعم الكلاب، وسفرة لدليلة وسفرة لبنتها زينب. ثم قُلْ له: تعالَ نأكل كبابًا ونشرب بوظة. وادخل وإياه القاعة وأسكره، ثم اسأله عن الذي يطبخه كم لون هو؟ وعن أكل الكلاب، وعن مفتاح المطبخ، وعن مفتاح الكرار، فإنه يخبرك؛ لأن السكران يخبر بجميع ما يكتمه في حال صحوه، وبعد ذلك بنِّجْه والبس ثيابه، وخذ السكاكين في وسطك، وخذ مقطف الخضار واذهب إلى السوق واشترِ اللحم والخضار، ثم ادخل المطبخ والكرار واطبخ الطبيخ، ثم اغرفه وخذ الطعام وادخل به على دليلة في الخان، وحط البنج في الطعام حتى تبنج الكلاب والعبيد ودليلة وبنتها زينب، ثم اطلع القصر وائتِ بجميع الثياب منه. وإن كان مرادك أن تتزوَّج بزينب تجيء معك بالأربعين طيرًا التي تحمل الرسائل.
فطلع فرأى العبد الطباخ فسلَّمَ عليه، وقال له: زمان ما اجتمعنا بك في البوظة. فقال له: أنا مشغول بالطبيخ للعبيد والكلاب. فأخذه وأسكره وسأله عن الطبيخ كم لون هو؟ فقال له: كل يوم خمسة ألوان في الغداء، وخمسة ألوان في العشاء، وطلبوا مني أمس لونًا سادسًا وهو الزردة، ولونًا سابعًا وهو طبيخ حب الرمان. فقال: وأي شيء حال السفرة التي تعملها؟ فقال: أؤدي سفرة إلى زينب، وبعدها سفرة لدليلة، وأعشي العبيد، وبعدهم أعشي الكلاب وأُطعِم كل واحد كفايته من اللحم، وأقل ما يكفيه رطل. وأنسته المقادير أن يسأله عن المفاتيح، ثم قلَّعَه ثيابه ولبسها هو، وأخذ المقطف وراح السوق، فأخذ اللحم والخضار. وأدرك شهرزد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.