فلما كانت الليلة ٧١٣
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عليًّا الزيبق المصري لما بنَّجَ العبد الطباخ، أخذ السكاكين وحطها في حزامه، وأخذ مقطف الخضار، ثم ذهب إلى السوق واشترى اللحم والخضار، ثم رجع ودخل من باب الخان، فرأى دليلة قاعدة تنتقد الداخل والخارج، ورأى الأربعين عبدًا مسلَّحين، فقوَّى قلبه، فلما رأته دليلة عرفته، فقالت له: ارجع يا رئيس الحرامية، أتعمل عليَّ منصفًا في الخان؟ فالتفتَ علي المصري وهو في صورة العبد إلى دليلة، وقال لها: ما تقولين يا بوابة؟ فقالت له: ماذا صنعتَ بالعبد الطباخ؟ وأي شيء فعلتَ فيه؟ فهل قتلته أو بنَّجته؟ فقال لها: أي عبد طباخ؟ فهل هناك عبد طباخ غيري؟ فقالت: تكذب، أنت علي الزيبق المصري. فقال لها بلغة العبيد: يا بوابة، هل المصرية بيضة أم سودة؟ أنا ما بقيت أخدم. فقال العبيد: ما لك يا بن عمنا؟ فقالت دليلة: هذا ما هو ابن عمكم، هذا علي الزيبق المصري، وكأنه بنج ابن عمكم أو قتله. فقالوا: هذا ابن عمنا سعد الله الطباخ. فقالت لهم: ما هو ابن عمكم، بل هو علي المصري وصبغ جلده. فقال لها: مَن علي؟ أنا سعد الله. فقالت: إن عندي دهان الاختبار. وجاءت بدهان فدهنت به ذراعه وحكَّتْه، فلم يطلع السواد. فقال العبيد: خليه يروح ليعمل لنا الغداء. فقالت لهم: إن كان هو ابن عمكم يعرف أي شيء طلبتم منه ليلة أمس، ويعرف كم لونًا يطبخها في كل يوم. فسألوه عن الألوان وعمَّا طلبوه ليلة أمس، فقال: عدس وأرز وشوربة ويخني وماء وردية، ولون سادس وهو زردة، ولون سابع وهو حب الرمان، وفي العشاء مثلها. فقال العبيد: صدق. فقالت لهم: ادخلوا معه، فإن عرف المطبخ والكرار فهو ابن عمكم، وإلا فاقتلوه. وكان الطباخ قد ربَّى قطًّا، فكلما يدخل الطباخ يقف القط على باب المطبخ، ثم ينط على أكتافه إذا دخل، فلما دخل ورآه القط نطَّ على أكتافه فرماه، فجرى قدامه إلى المطبخ، فلحظ أن القط ما وقف إلا على باب المطبخ، فأخذ المفاتيح فرأى مفتاحًا عليه أثر الريش، فعرف أنه مفتاح المطبخ ففتحه وحط الخضار، وخرج فجرى القط قدامه وعمد إلى باب الكرار، فلحظ أنه الكرار، فأخذ المفاتيح ورأى مفتاحًا عليه أثر الدهان، فعرف أنه مفتاح الكرار ففتحه، فقال العبيد: يا دليلة، لو كان غريبًا ما عرف المطبخ والكرار، ولا عرف مفتاح كل مكان من بين المفاتيح، وإنما هذا ابن عمنا سعد الله. فقالت: إنما عرف الأماكن من القط، وميَّزَ المفاتيح من بعضها بالقرينة، وهذا الأمر لا يدخل عليَّ. ثم إنه دخل المطبخ وطبخ الطعام وطلَّع سفرة إلى زينب، فرأى جميع الثياب في قصرها، ثم نزل وحطَّ سفرة لدليلة وغدَّى العبيد وأطعم الكلاب، وفي العشاء كذلك، وكان الباب لا يفتح ولا يقفل إلا بشمس في الغداة والعشي.
ثم إن عليًّا قام ونادى في الخان: يا سكان، قد سهرت العبيد للحرس، وأطلقنا الكلاب، وكل مَن طلع فلا يلوم إلا نفسه. وكان علي أخَّر عشاء الكلاب وحطَّ فيه السم، ثم قدَّمه إليها فلما أكلته ماتت، وبنَّجَ جميع العبيد ودليلة وبنتها زينب، ثم طلع فأخذ جميع الثياب وحمام البطاقة، وفتح الخان، وخرج وسار إلى أن وصل إلى القاعة، فرآه حسن شومان فقال له: أي شيء فعلت؟ فحكى له جميع ما كان، فشكره، ثم إنه قام ونزع ثيابه، وغلى له عشبًا وغسله به، فعاد أبيض كما كان، وراح إلى العبد وألبسه ثيابه، وأيقظه من البنج، فقام العبد وذهب إلى الخضري، فأخذ الخضار ورجع إلى الخان.
هذا ما كان من أمر علي الزيبق المصري، وأما ما كان من أمر دليلة المحتالة، فإنه طلع من طبقته رجل تاجر من السكان عندما لاح الفجر، فرأى باب الخان مفتوحًا والعبيد مبنَّجة والكلاب ميتة، فنزل إلى دليلة فرآها مبنَّجة وفي رقبتها ورقة، ورأى عند رأسها أسفنجة فيها ضد البنج، فحطها على مناخير دليلة فأفاقت؛ فلما أفاقت قالت: أين أنا؟ فقال لها التاجر: أنا نزلت فرأيت باب الخان مفتوحًا، ورأيتُك مبنَّجة، وكذلك العبيد، وأما الكلاب فرأيتها ميتة. فأخذتِ الورقةَ فرأت فيها: ما عمل هذا العمل إلا علي المصري. فشمَّمَتِ العبيد وزينب بنتها ضد البنج وقالت: أَمَا قلتُ لكم إن هذا علي المصري؟ ثم قالت للعبيد: اكتموا هذا الأمر. وقالت لبنتها: كم قلتُ لكِ إن عليًّا ما يخلي ثأره؟ وقد عمل هذا العمل في نظير ما فعلتِ معه، وكان قادرًا أن يفعل معك شيئًا غير هذا، ولكنه اقتصر على هذا إبقاءً للمعروف وطلبًا للمحبة بيننا. ثم إن دليلة خلعت لباس الفتوة ولبست لباس النساء، وربطت المحرمة في رقبتها وقصدت قاعة أحمد الدنف، وكان عليٌّ حين دخل بالثياب وحمام الرسائل، قام شومان وأعطى للنقيب حق أربعين حمامة، فاشتراها وطبخها بين الرجال، وإذا بدليلة تدق الباب، فقال أحمد الدنف: هذه دقة دليلة، قم افتح لها يا نقيب. فقام وفتح لها فدخلت دليلة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.