فلما كانت الليلة ٧١٥
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عليًّا المصري لما مدَّ يده ليأخذ الكيس خشخشت الأجراس والحلق، فقال له زريق: ما دخل عليَّ منصفك ولو جئتَني في صورة سائس، فأنا عرفتك من قبض يدك على الفلوس والصحن. وضربه برغيفٍ من رصاص، فراغ عنه علي المصري، فلم ينزل الرغيف الرصاص إلا في طاجن ملآن باللحم السخن، فانكسر ونزل بمرقته على كتف القاضي وهو سائر، ونزل الجميع في عب القاضي حتى وصل إلى محاشمه، فقال القاضي: يا محاشمي! ما أقبحك يا شَقِي؟ مَن عمل معي هذه العَملة؟ فقال له الناس: يا مولانا، هذا ولد صغير رجم بحجر فوقع في الطاجن، ما دفع الله كان أعظم. ثم التفتوا فوجدوا الرغيف الرصاص، والذي رماه إنما هو زريق السماك، فقاموا عليه وقالوا: ما يحل من الله يا زريق، نزِّلِ الكيس أحسن لك. فقال: إن شاء الله أنزله.
وأما علي المصري فإنه راح إلى القاعة، ودخل على الرجال، فقالوا له: أين الكيس؟ فحكى لهم جميع ما جرى له، فقالوا له: أنت أضعتَ ثلثَيْ شطارته. فقلع ما عليه، ولبس بدلة تاجر، وخرج فرأى حاويًا معه جراب فيه ثعابين وجربندية فيها أمتعته، فقال له: يا حاوي، مرادي أن تفرِّج أولادي وتأخذ إحسانًا، فأتى به إلى القاعة وأطعمه وبنَّجَه ولبس بدلته، وراح إلى زريق السماك، وأقبل عليه وزمَّرَ بالزمارة، فقال له: الله يرزقك. وإذا به طلَّعَ الثعابين ورماها قدامه، وكان زريق يخاف من الثعابين؛ فهرب منها داخل الدكان، فأخذ الثعابين ووضعها في الجراب ومدَّ يده إلى الكيس، فحصل طرفه فشن الحلق والجلاجل والأجراس، فقال له: ما زلت تعمل عليَّ المناصف حتى عملتَ حاويًا؟ ورماه برغيف من رصاص، وإذا بواحد جندي سائر ووراءه السائس، فوقع الرغيف في رأس السائس فبطحه. فقال الجندي: مَن بطحه؟ فقال له الناس: هذا حجر نزل من السقيفة. فسار الجندي والتفتوا فرأوا الرغيف الرصاص، فقاموا عليه، وقالوا له: نزِّلِ الكيس. فقال: إن شاء الله أنزله في هذه الليلة. وما زال علي يلعب مع زريق حتى عمل معه سبعة مناصف ولم يأخذ الكيس، ثم إنه أرجع ثياب الحاوي ومتاعه إليه وأعطاه إحسانًا، ورجع إلى دكان زريق، فسمعه يقول: أنا إن بيَّتُّ الكيسَ في الدكان نقَّبَ عليه وأخذه، ولكن آخذه معي إلى البيت. ثم قام زريق وعزل الدكان ونزل الكيس وحطه في عبه، فتبعه علي إلى أن قرب من البيت، فرأى زريق جاره عنده فرح، فقال زريق في نفسه: حتى أروح البيت وأعطي زوجتي الكيس وألبس حوائجي، ثم أعود إلى الفرح. ومشى وعلي تابعه، وكان زريق متزوجًا بجارية سوداء من معاتيق الوزير جعفر، ورُزِق منها بولد وسمَّاه عبد الله، وكان يوعدها أنه يطاهر الولد بالكيس ويزوِّجه، ويصرفه في فرحه. ثم دخل زريق على زوجته وهو عابس الوجه، فقالت له: ما سبب عبوسك؟ فقال لها: ربنا بلاني بشاطر لعب معي سبعة مناصف على أنه يأخذ الكيس، فما قدر أن يأخذه. فقالت: هاتِه حتى أدَّخِره لفرح الولد. فأعطاها إياه.
وأما علي المصري فإنه تخبأ في مخدع، وصار يسمع ويرى، فقام زريق وقلع ما عليه ولبس بدلته، وقال لها: احفظي الكيس يا أم عبد الله، وأنا رائح إلى الفرح. فقالت له: نم لك ساعة. فنام، فقام علي ومشى على أطراف أصابعه وأخذ الكيس وتوجَّه إلى بيت الفرح ووقف يتفرَّج. وأما زريق فإنه رأى في منامه أن الكيس أخذه طائر، فأفاق مرعوبًا وقال لأم عبد الله: قومي انظري الكيس. فقامت تنظره فما وجدته، فلطمت على وجهها، وقالت: يا سواد حظك يا أم عبد الله، الكيس أخذه الشاطر. فقال: والله ما أخذه إلا الشاطر علي، وما أحد غيره أخذ الكيس، ولا بد أني أجيء به. فقالت: إن لم تجئ به وإلا قفلت عليك الباب وتركتك تبيت في الحارة. فأقبل زريق على الفرح فرأى الشاطر عليًّا يتفرَّج، فقال: هذا الذي أخذ الكيس، ولكنه نازل في قاعة أحمد الدنف. فسبقه زريق إلى القاعة وطلع على ظهرها ونزل فرآهم نائمين، وإذا بعلي أقبل ودقَّ الباب، فقال زريق: مَن بالباب؟ فقال: علي المصري. فقال له: هل جئت بالكيس؟ فظنَّ أنه شومان، فقال له: جئتُ به فافتح الباب. فقال له: ما يمكن أن أفتح لك حتى أنظره، فإنه وقع بيني وبين كبيرك رهان. فقال له: مدَّ يدك. فمدَّ يده من جنب عقب الباب، فأعطاه الكيس، فأخذه زريق وطلع من الموضع الذي نزل منه، وراح إلى الفرح. وأما علي فإنه لم يزل واقفًا على الباب، ولم يفتح له أحد، فطرق الباب طرقة مزعجة، فصحا الرجال وقالوا: هذه طرقة علي المصري. ففتح له النقيب وقال له: جئت بالكيس؟ فقال: يكفي مزاحًا يا شومان أَمَا أعطيتُك إياه من جنب عقب الباب، وقلت لي: أنا حالف أني لا أفتح لك الباب حتى تريني الكيس. فقال: والله ما أخذتُه، وإنما زريق هو الذي أخذه منك. فقال له: لا بد أني أجيء به. ثم خرج علي المصري متوجِّهًا إلى الفرح، فسمع الخلبوص يقول: شوبش يا أبا عبد الله، العاقبة عندك لولدك. فقال علي: أنا صاحب السعد. وتوجَّه إلى بيت زريق وطلع من فوق ظهر البيت ونزل، فرأى الجارية نائمة، فبنَّجَها ولبس بدلتها، وأخذ الولد في حجره ودار يفتش، فرأى مقطفًا فيه كعك العيد من بخل زريق، ثم إن زريقًا أقبل إلى البيت وطرق الباب، فجاوبه الشاطر علي وجعل نفسه الجارية وقال له: مَن بالباب؟ فقال: أبو عبد الله. فقال: أنا حلفت ما أفتح لك الباب حتى تجيء بالكيس؟ فقال: جئتُ به. فقال: هاتِه قبل فتح الباب. فقال: أدلي المقطف وخذيه فيه. فأدلى المقطف فحطَّه فيه، ثم أخذه الشاطر علي وبنَّجَ الولد وأيقظ الجارية، ونزل من الموضع الذي طلع منه وقصد القاعة، فدخل على الرجال وأراهم الكيس والولد معه، فشكروه وأعطاهم الكعك فأكلوه، وقال: يا شومان، هذا الولد ابن زريق فاخْفِه عندك. فأخذه وأخفاه وأتى بخروفٍ فذبحه وأعطاه للنقيب فطبخه قممة وكفنه، وجعله كالميت.
وأما زريق فإنه لم يزل واقفًا على الباب، ثم دقَّ الباب دقة مزعجة، فقالت له الجارية: هل جئت بالكيس؟ فقال لها: أَمَا أخذتِه في المقطف الذي أدليتِه؟ فقالت: أنا ما أدليتُ مقطفًا ولا رأيت كيسًا ولا أخذته. فقال: والله إن الشاطر علي سبقني وأخذه. ونظر في البيت فرأى الكعك معدومًا والولد مفقودًا، فقال: وا ولداه! فدقت الجارية على صدرها وقالت: أنا وإياك للوزير، ما قتل ابني إلا الشاطر الذي يفعل معك المناصف، وهذا بسببك. فقال لها: ضمانه عليَّ. ثم طلع زريق وربط المحرمة في رقبته وراح إلى قاعة أحمد الدنف ودقَّ الباب، ففتح له النقيب ودخل على الرجال، فقال شومان: ما جاء بك؟ فقال: أنتم سياق على علي المصري ليعطيني ولدي وأسامحه في الكيس الذهب. فقال شومان: الله يقابلك يا علي بالجزاء، لأي شيء ما أعلمتَني أنه ابنه؟ فقال زريق: أي شيء جرى عليه؟ فقال شومان: أطعمناه زبيبًا فشرق ومات وهو هذا. فقال: وا ولداه! ما أقول لأمه؟ ثم قام وفكَّ الكفن فرآه قممة، فقال له: أطربتني يا علي. ثم إنهم أعطوه ابنه، فقال أحمد الدنف: أنت كنتَ معلقًا الكيس لكلِّ مَن كان شاطرًا يأخذه، فإن أخذه شاطر يكون حقه، وإنه صار حق علي المصري. فقال: وأنا وهبته له. فقال له علي الزيبق المصري: اقبله من شأن بنت أختك زينب. فقال له: قبلته. فقالوا: نحن خطبناها لعلي المصري. فقال: أنا ما أحكم عليها إلا بالمعروف. ثم إنه أخذ ابنه وأخذ الكيس، فقال شومان: هل قبلتَ منَّا الخطبة؟ فقال: قبلتُها ممَّن كان يقدر على مهرها. فقال له: وأي شيء مهرها؟ فقال: إنها حالفة ألَّا يركب صدرها إلا مَن يجيء لها ببدلة قمر بنت عذرة اليهودي، وباقي حوائجها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.