فلما كانت الليلة ٥٥٤
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري لما حطوه في المغارة مع زوجته التي ماتت، وردوا باب المغارة، وراحوا إلى حال سبيلهم، قال: وأمَّا أنا فإني رأيتُ في تلك المغارة أمواتًا كثيرة، ورائحتها منتنة كريهة، فلمتُ نفسي على ما فعلته، وقلت: والله إني أستحق جميع ما يجري لي، وما يقع لي. ثم إني صرت أعرف الليل من النهار، وصرت أتقوت باليسير، ولا آكل حتى يكاد أن يقطعني الجوع، ولا أشرب حتى يشتد بي العطش، وأنا خائف أن يفرغ ما عندي من الزاد والماء، وقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أي شيء بلاني بالزواج في هذه المدينة؟ وكلما أقول خرجت من مصيبة أقع في مصيبة أقوى منها، والله إن موتي هذا موت مشئوم، يا ليتني غرقت في البحر، أو مت في الجبال، كان أحسن لي من هذا الموت الرديء. ولم أزل على هذه الحالة ألوم نفسي، ونمت على عظام الأموات، واستعنت بالله، وصرت أتمنى الموت فلم أجده من شدة ما أنا فيه، ولم أزل على هذه الحالة حتى أحرق قلبي الجوعُ، وألهبني العطشُ، فقعدت وحسست على الخبز، وأكلت منه شيئًا قليلًا، وتجرَّعت عليه شيئًا قليلًا من الماء، ثم إني قمت وقفت على حيلي وصرت أمشي في جوانب تلك المغارة، فرأيتها متسعة الجوانب، خالية البطون، ولكن في أرضها أموات كثيرة، وعظام رميمة من قديم الزمان، فعند ذلك عملت لي مكانًا في جانب المغارة بعيدًا عن الموتى الطريين، وصرت أنام فيه، وقد قلَّ زادي، ولم يَبْقَ معي إلا شيء يسير، وقد كنت آكل في كل يوم أو أكثر أكلةً وأشرب شربة؛ خوفًا من فراغ الماء والزاد من عندي قبل موتي.
ولم أزل على هذه الحالة إلى أن جلست يومًا من الأيام. فبينما أنا جالس متفكر في نفسي كيف أفعل إذا فرغ زادي والماء من عندي، وإذا بالصخرة قد تزحزحت من مكانها، ونزل منه النور عندي، فقلت: يا ترى ما الخبر؟ وإذا بالقوم واقفون على رأس البئر وقد نزلوا رجلًا ميتًا، وامرأة معه بالحياة، وهي تبكي وتصيح على نفسها، وقد نزلوا عندها شيئًا كثيرًا من الزاد والماء، فصرت أنظر المرأة وهي لم تنظرني، وقد غطوا فم البئر بالحجر، وانصرفوا إلى حال سبيلهم، فقمتُ أنا وأخذت في يدي قصبة رجل ميت، وجئت إلى المرأة وضربتها في وسط رأسها، فوقعت على الأرض مغشيًّا عليها، فضربتها ثانيًا وثالثًا فماتت، فأخذتُ خبزها وما معها، ورأيتُ عليها شيئًا كثيرًا من الحلي والحلل والقلائد والجواهر والمعادن، ثم إني أخذت الماء والزاد الذي مع المرأة، وقعدت في الموضع الذي كنت عملته في جانب المغارة لأنام فيه، وصرت آكل من ذلك الزاد شيئًا قليلًا على قدر ما يقوتني حتى لا يفرغ بسرعة فأموت من الجوع والعطش، وأقمت في تلك المغارة مدة من الزمان، وأنا كل مَن دفنوه أقتل مَن دُفِن معه بالحياة، وآخذ أكله وشربه أتقوت به، إلى أن كنت نائمًا يومًا من الأيام فاستيقظتُ من منامي، وسمعت شيئًا يكركب في جانب المغارة، فقلت: ما يكون هذا؟ ثم إني قمت ومشيت نحوه ومعي قصبة رجل ميت، فلما أحسَّ بي فرَّ وهرب مني، فإذا هو وحش، فتبعته إلى صدر المغارة، فبان لي نور من مكان صغير مثل النجمة، تارة يبان لي، وتارة يخفى عني، فلما نظرته قصدت نحوه، وبقيت كلما أتقرب منه يظهر لي نور منه ويتسع؛ فعند ذلك تحقَّقت أنه خرقٌ في تلك المغارة ينفذ للخلاء، فقلت في نفسي: لا بد أن يكون لهذا المكان حركة، إما أن يكون فمًا ثانيًا مثل الذي نزلوني منه، وإما أن يكون تخريق من هذا المكان.
ثم إني تفكرت في نفسي ساعة من الزمان، ومشيت إلى ناحية النور، وإذا به نقب في ظهر الجبل من الوحوش نقبوه، وصاروا يدخلون منه إلى هذا المكان، ويأكلون الموتى حتى يشبعوا ويطلعوا من ذلك النقب، فلما رأيته هدأت واطمأنت نفسي، وارتاح قلبي، وأيقنت بالحياة بعد الممات، وصرت كأني في المنام، ثم إني عالجت حتى طلعت من ذلك النقب، فرأيت نفسي على جانب البحر المالح فوق جبل عظيم، وهو قاطع بين البحرين، وبين الجزيرة والمدينة، ولا يستطيع أحد الوصول إليه، فحمدت الله تعالى وشكرته، وفرحت فرحًا عظيمًا، وقوي قلبي. ثم إني بعد ذلك رجعت من النقب إلى تلك المغارة، ونقلت جميع ما فيها من الزاد والماء الذي كنت وفَّرْتُه، ثم إني أخذت من ثياب الأموات، ولبست شيئًا منها غير الذي كان عليَّ، وأخذت مما عليهم شيئًا كثيرًا من أنواع العقود والجواهر، وقلائد اللؤلؤ، والمصاغ من الفضة والذهب المُرصَّع بأنواع المعادن والتحف، وربطت في ثيابي ثياب الموتى، وطلعتها من النقب إلى ظهر الجبل، ووقفت على جانب البحر، وبقيت في كل يوم أنزل المغارة وأطلع عليها، وكل مَن دفنوه آخذ زاده وماءه وأقتله سواء كان ذكرًا أو أنثى، وأطلع من ذلك النقب فأجلس على جانب البحر لأنتظر الفرج من الله تعالى بمركب تجوز عليَّ، وصرت أنقل من تلك المغارة كل شيء رأيته من المصاغ، وأربطه في ثياب الموتى، ولم أزل على هذه الحالة مدةً من الزمان. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.