فلما كانت الليلة ٧١٦
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن زريقًا قال لشومان: إن زينب حالفة ألَّا يركب صدرها إلا الذي يجيء لها ببدلة قمر بنت عذرة اليهودي والتاج والحياصة والتاسومة الذهب. فقال علي المصري: إن لم أجئ ببدلتها في هذه الليلة لا حقَّ لي في الخطبة. فقال له: يا علي، تموت إن عملت معها منصفًا. فقال لهم: ما سبب ذلك؟ فقالوا له: إن عذرة اليهودي ساحر مكَّار غدَّار يستخدم الجن، وله قصر خارج المملكة حيطانه طوبة من ذهب وطوبة من فضة، وذلك القصر ظاهر للناس ما دام قاعدًا فيه، ومتى خرج فإنه يختفي، ورُزِق ببنت اسمها قمر، وجاء لها بهذه البدلة من كنز، فيضع البدلة في صينية من الذهب ويفتح شبابيك القصر وينادي: أين شطَّار مصر وفتيان العراق ومَهَرة العجم؟ كلُّ مَن أخذ البدلة تكون له. فحاوَلَه بالمناصف سائر الفتيان فلم يقدروا أن يأخذوها، وسَحَرهم قرودًا وحميرًا. فقال علي: لا بد من أخذها، وتتجلى بها زينب بنت دليلة المحتالة. ثم توجَّهَ علي المصري إلى دكان اليهودي فرآه فظًّا غليظًا، وعنده ميزان وصنج وذهب وفضة ومناقد، ورأى عنده بغلة، فقام اليهودي وقفل الدكان، وحطَّ الذهب والفضة في كيسين، وحطهما في خُرْجٍ وحطَّه على البغلة وركب، وسار إلى أن وصل خارج البلد وعلي المصري وراءه وهو لم يشعر. ثم أطلع اليهودي ترابًا من كيس في جيبه وعزم عليه ورشَّه في الهواء، فرأى الشاطرُ عليٌّ قصرًا ما له نظير، ثم طلعت البغلة باليهودي في السلالم، وإذا بالبغلة عون يستخدمه اليهودي، فنزَّلَ الخُرْج عن البغلة، وراحت البغلة واختفت. وأما اليهودي فإنه قعد في القصر وعليٌّ ينظر فعله، فأحضر اليهودي قصبة من ذهب، وعلق فيها صينية من ذهب بسلاسل من ذهب، وحط البدلة في الصينية، فرآها علي من خلف الباب، ونادى اليهودي أين شطَّار مصر وفتيان العراق ومَهَرة العجم؟ مَن أخذ هذه البدلة بشطارته فهي له. وبعد ذلك عزم فوضعت سفرة طعام فأكل، ثم رُفِعت السفرة بنفسها، وعزم مرة أخرى فوُضِعت بين يديه سفرة مدام فشرب، فقال علي: أنت لا تعرف أن تأخذ هذه البدلة إلا وهو يسكر. فجاءه من خلفه وسحب شريط البولاد في يده، فالتفت اليهودي وعزم وقال ليده: قفي بالسيف. فوقفت يده بالسيف في الهواء، فمدَّ يده الشمال فوقفت في الهواء، وكذلك رجله اليمنى، وصار واقفًا على رجل، ثم إن اليهودي صرف عنه الطلسم، فعاد علي المصري كما كان أولًا.
ثم إن اليهودي ضرب تخت رمل، فطلع له أن اسمه علي الزيبق المصري؛ فالتفت إليه وقال له: تعال، مَن أنت؟ وما شأنك؟ فقال: أنا علي المصري، صبي أحمد الدنف، وقد خطبت زينب بنت دليلة المحتالة، وعملوا عليَّ مهرها بدلة بنتك، فأنت تعطيها إليَّ إن أردتَ السلامة وتسلم. فقال له: بعد موتك، فإن ناسًا كثيرًا عملوا عليَّ مناصف من شأن أخذ البدلة، فلم يقدروا أن يأخذوها مني، فإن كنت تقبل النصيحة تسلم بنفسك، فإنهم ما طلبوا منك البدلة إلا لأجل هلاكك، ولولا أني رأيت سعدك غالبًا على سعدي لَكنتُ رميت رقبتك. ففرح علي لكون اليهودي رأى سعده غالبًا على سعده، فقال له: لا بد لي من أخذ البدلة وتسلم. فقال له: هل هذا مرادك ولا بد؟ قال: نعم. فأخذ اليهودي طاسة، وملأها ماء وعزم عليها، وقال: اخرج من الهيئة البشرية إلى هيئة حمار. ورَّشَه منها فصار حمارًا بحوافر وآذان طوال، وصار ينهق مثل الحمير، ثم ضرب عليه دائرة فصارت عليه سورًا، وصار اليهودي يسكر إلى الصباح، فقال له: أنا أركبك وأريح البغلة.
ثم إن اليهودي وضع البدلة والصينية والقصبة والسلاسل في خشخانة، ثم طلع وعزم عليه، فتبعه وحطَّ على ظهره الخُرْج، وركب عليه، واختفى القصر عن الأعين وسار وهو راكبه إلى أن نزل على دكانه، وفرغ الكيس الذهب والكيس الفضة في المنقد قدامه. وأما علي فإنه مربوط في هيئة حمار، ولكنه يسمع ويعقل ولا يقدر أن يتكلم، وإذا برجل ابن تاجر جار عليه الزمن، فلم يجد له صنعة خفيفة إلا السقاية، فأخذ أساور زوجته وأتى إلى اليهودي وقال له: أعطني ثمن هذه الأساور لأشتري لي به حمارًا؟ فقال اليهودي: تحمل عليه أي شيء؟ فقال له: يا معلم، أملأ عليه ماء من البحر وأقتات من ثمنه. فقال له اليهودي: خذ مني حماري هذا. فباع له الأساور وأخذ من ثمنها الحمار، وأعطاه اليهودي الباقي، وسار بعلي المصري وهو مسحور إلى بيته، فقال علي لنفسه: متى ما حطَّ عليك الحمَّار الخشب والقربة، وذهب بك عشرة مشاوير أعدمك العافية وتموت. فتقدَّمَتِ امرأةُ السقا تحطُّ له عليقه، وإذا به لطشها بدماغه، فانقلبت على ظهرها ونطَّ عليها ودق بفمه في دماغها، وأدلى الذي خلفه له الوالد، فصاحت فأدركها الجيران، فضربوه ورفعوه عن صدرها، وإذا بزوجها الذي أراد أن يعمل سقاء جاء إلى البيت، فقالت له: إما أن تطلقني وإما أن ترد الحمار إلى صاحبه. فقال لها: أي شيء جرى؟ فقالت له: هذا شيطان في صفة حمار، فإنه نطَّ عليَّ ولولا الجيران رفعوه من فوق صدري لفعل بي القبيح. فأخذه وراح إلى اليهودي، فقال له اليهودي: لأي شيء رددتَه؟ فقال له: هذا فعل مع زوجتي فعلًا قبيحًا. فأعطاه دراهمه وراح، وأما اليهودي فإنه التفت إلى علي وقال له: أتدخل باب المكر يا مشئوم حتى ردَّكَ إليَّ. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.