فلما كانت الليلة ٧١٨
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السقطي لما سلم على علي المصري، وسأله عن سبب سحره، وما وقع له، حكى له جميع ما جرى له. فقال له: أتكفيك بنتي والجارية؟ فقال: لا بد من أخذ زينب. وإذا بداق يدق الباب فقالت الجارية: مَن بالباب؟ فقالت: قمر بنت اليهودي، هل علي المصري عندكم؟ فقالت لها بنت السقطي: يا ابنة اليهودي، وإذا كان عندنا أي شيء تفعلين به؟ انزلي يا جارية افتحي لها الباب. ففتحت لها الباب فدخلت، فلما رأت عليًّا ورآها قال لها: ما جاء بك هنا يا بنت الكلب؟ فقالت: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فأسلمت وقالت له: هل الرجال في دين الإسلام يمهرون النساء أو النساء تمهر الرجال؟ فقال لها: الرجال يمهرون النساء. فقالت: وأنا جئت أمهر نفسي لك بالبدلة والقصبة والسلاسل، ودماغ أبي عدوك وعدو الله. ورمت دماغ أبيها قدامه، وقالت: هذه رأس أبي عدوك وعدو الله.
وسبب قتلها أباها أنه لما سحر عليًّا كلبًا، رأت في المنام قائلًا يقول لها: أسلمي. فأسلمت، فلما انتبهت عرضت على أبيها الإسلام فأبى، فلما أبى الإسلام بنجته وقتلته، فأخذ علي الأمتعة وقال للسقطي: في غد نجتمع عند الخليفة لأجل أن أتزوج بنتك والجارية. وطلع وهو فرحان قاصد القاعة ومعه الأمتعة، وإذا برجل حلواني يخبط على يديه ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الناس صار كدُّهم حرامًا لا يروح إلا في الغش، سألتك بالله أن تذوق هذه الحلاوة. فأخذ منه قطعة وأكلها فإذا فيها البنج، فبنجه وأخذ منه البدلة والقصبة والسلاسل، وحطها داخل صندوق الحلاوة وحمل الصندوق وطبق الحلاوة وسار، وإذا بقاضٍ يصيح عليه ويقول له: تعال يا حلواني. فوقف وحط القاعدة والطبق فوقها وقال: أي شيء تطلب؟ فقال له: حلاوة وملبسًا. ثم أخذ منهما في يده شيئًا وقال: إن هذه الحلاوة والملبس مغشوشان. وأخرج القاضي حلاوة من عبه وقال للحلواني: انظر هذه الصنعة، ما أحسنها! فكُلْ منها واعمل نظيرها. فأخذها الحلواني فأكل منها، وإذا فيها البنج، فبنجه وأخذ القاعدة والصندوق والبدلة وغيرها، وحط الحلواني في القاعدة وحمل الجميع وتوجَّه إلى القاعة التي فيها الدنف، وكان القاضي حسن شومان، وسبب ذلك أن عليًّا لما التزم بالبدلة وخرج في طلبها، لم يسمعوا عنه خبرًا فقال أحمد الدنف: يا شباب اطلعوا فتشوا على أخيكم علي المصري. فطلعوا يفتشون عليه في المدينة، فطلع حسن شومان في صفة قاضٍ، فقابل الحلواني فعرف أنه أحمد اللقيط، فبنجه وأخذه، وصحبته البدلة، وسار به إلى القاعة.
وأما الأربعون فإنهم داروا يفتشون في شوارع البلد، فخرج علي كتف الجمل من بين أصحابه فرأى زحمة، وقصد الناس المزدحمين، فرأى عليًّا المصري بينهم مُبنَّجًا فأيقظه من البنج، فلما أفاق رأى الناس مجتمعين عليه، فقال علي كتف الجمل: أفق لنفسك. فقال: أين أنا؟ فقال له علي كتف الجمل وأصحابه: نحن رأيناك مُبنَّجًا، ولم نعرف مَن بنَّجَك. فقال: بنَّجَني واحد حلواني، وأخذ مني الأمتعة، ولكن أين ذهب؟ فقالوا له: ما رأينا أحدًا، ولكن تعال رُحْ بنا القاعة. فتوجَّهوا إلى القاعة ودخلوا فوجدوا أحمد الدنف، فسلَّم عليهم وقال: يا علي، هل جئتَ بالبدلة؟ فقال: جئتُ بها وبغيرها وجئتُ برأس اليهودي، وقابلني حلواني فبنَّجَني وأخذها مني. وحكى له جميع ما جرى له، وقال له: لو رأيتُ الحلواني لَجازيته. وإذا بحسن شومان طالع من مخدع، فقال له: هل جئتَ بالأمتعة يا علي؟ فقال له: جئتُ بها، وجئتُ برأس اليهودي، وقابلني حلواني فبنَّجَني وأخذ البدلة وغيرها، ولم أعرف أين ذهب، ولو عرفت مكانه لنكيته؛ فهل تعرف أين ذهب ذلك الحلواني؟ فقال: أعرف مكانه. ثم قام وفتح له المخدع، فرأى الحلواني مُبنَّجًا فيه، فأيقظه من البنج، ففتح عينَيْه فرأى نفسه قدام علي المصري وأحمد الدنف والأربعين، فانصرع وقال: أين أنا؟ ومَن قبضني؟ فقال شومان: أنا الذي قبضتك. فقال له علي المصري: يا ماكرًا، تفعل هذه الفعال؟ وأراد أن يذبحه، فقال له حسن شومان: ارفع يدك، هذا صار صهرك. فقال: صهري؟! من أين؟ فقال له: هذا أحمد اللقيط ابن أخت زينب. فقال علي: لأي شيء هكذا يا لقيط؟ فقال له: أمرتني به جدتي دليلة المحتالة، وما ذاك إلا أن زريقًا السماك اجتمع بجدتي الدليلة المحتالة وقال لها: إن عليًّا المصري شاطر بارع الشطارة، ولا بد أن يقتل اليهودي ويجيء بالبدلة. فأحضرَتْني وقالت لي: يا أحمد هل تعرف عليًّا المصري؟ فقلت: أعرفه، وكنت أرشدته إلى قاعة أحمد الدنف. فقالت لي: رح انصب له شَرَكك، فإن كان جاء بالأمتعة، فاعمل عليه منصفًا وخذ منه الأمتعة. فطفت في شوارع المدينة حتى رأيت حلوانيًّا وأعطيته عشرة دنانير، وأخذت بدلته وحلاوته وعدته، وجرى ما جرى.
ثم إن عليًّا المصري قال لأحمد اللقيط: رح إلى جدتك وإلى زريق السماك، وأعلمهما بأني جئت بالأمتعة ورأس اليهودي، وقل لهما: غدًا قابِلاه في ديوان الخليفة، وخذا منه مهر زينب. ثم إن أحمد الدنف فرح بذلك، وقال: لا خابت فيك التربية يا علي. فلما أصبح الصباح، أخذ علي المصري البدلة والصينية والقصبة والسلاسل الذهب ورأس عذرة اليهودي على مزراق، وطلع إلى الديوان مع عمه وصبيانه، وقبَّلوا الأرض بين يدي الخليفة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.