فلما كانت الليلة ٧١٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن عليًّا لما طلع الديوان مع عمه أحمد الدنف وصبيانه، قبَّلوا الأرض بين يدي الخليفة، فالتفت الخليفة فرأى شابًّا ما في الرجال أشجع منه، فسأل الرجال عنه، فقال أحمد الدنف: يا أمير المؤمنين، هذا علي الزيبق المصري رئيس فتيان مصر، وهو أول صبياني. فلما رآه الخليفة أحبه لكونه رأى الشجاعة لائحة بين عينيه تشهد له لا عليه؛ فقام علي ورمى دماغ اليهود بين يدي الخليفة، وقال له: عدوك مثل هذا يا أمير المؤمنين. فقال له الخليفة: دماغ مَن هذا؟ فقال له: دماغ عذرة اليهودي. فقال الخليفة: ومَن قتله؟ فحكى له علي المصري ما جرى له من الأول إلى الآخِر. فقال الخليفة: ما ظننتُ أنك قتلته؛ لأنه كان ساحرا؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، أقدَرَني ربي على قتله. فأرسل الخليفةُ الواليَ إلى القصر، فرأى اليهودي بلا رأس، فأخذه في تابوت وأحضره بين يدي الخليفة، فأمر بحرقه، وإذا بقمر بنت اليهودي أقبلت وقبَّلت الأرض بين يدي الخليفة، وأعلمته بأنها ابنة عذرة اليهودي، وأنها أسلمت، ثم جدَّدت إسلامها ثانيًا بين يدي الخليفة، وقالت له: أنت سياق على الشاطر علي الزيبق المصري أن يتزوَّجني. ووكَّلَتِ الخليفةَ في زواجها بعلي، فوهب الخليفة لعلي المصري قصر اليهودي بما فيه، وقال له: تمنَّ عليَّ. فقال: تمنيت عليك أن أقف على بساطك وآكل من سماطك. فقال الخليفة: يا علي، هل لك صبيان؟ فقال: لي أربعون صبيًّا، ولكنهم في مصر. فقال الخليفة: أرسل إليهم ليجيئوا من مصر. ثم قال له الخليفة: يا علي، هل لك قاعة؟ قال: لا. فقال حسن شومان: قد وهبتُ له قاعتي بما فيها يا أمير المؤمنين. فقال الخليفة: قاعتك لك يا حسن. وأمر الخازندار أن يعطي المعمار عشرة آلاف دينار ليبني له قاعة بأربع لواوين وأربعين مخدعًا لصبيانه. وقال الخليفة: يا علي، هل بقي لك حاجة نأمر لك بقضائها؟ فقال: يا ملك الزمان، أن تكون سياقًا على الدليلة المحتالة أن تزوِّجني بنتها زينب، وتأخذ بدلة بنت اليهودي وأمتعتها في مهرها. فقبلت دليلة سياق الخليفة وأخذت الصينية والبدلة والقصبة والسلاسل الذهب، وكتبوا كتابها عليه، وكتبوا أيضًا كتاب بنت السقطي والجارية وقمر بنت اليهودي عليه، ورتَّبَ له الخليفة جامكية، وجعل له سماطًا في الغداء وسماطًا في العشاء وجراية وعلوفة ومسموحًا، وشرع علي المصري في الفرح حتى كمل مدة ثلاثين يومًا.
ثم إن عليًّا المصري أرسل إلى صبيانه بمصر كتابًا يذكر لهم فيه ما حصل له من الإكرام عند الخليفة، وقال لهم في المكتوب: لا بد من حضوركم لأجل أن تحصلوا الفرح؛ لأني تزوَّجْتُ بأربع بنات. فبعد مدة يسيرة حضر صبيانه الأربعون، وحصلوا الفرح، فوطنهم في القاعة وأكرمهم غاية الإكرام، ثم عرضهم على الخليفة، فخلع عليهم. وجلت المواشط زينب بالبدلة على علي المصري، ودخل عليها فوجدها درة ما ثُقِبت، ومُهْرة لغيره ما رُكِبت، وبعدها دخل على الثلاث بنات فوجدهن كاملات الحُسْن والجمال، ثم بعد ذلك اتفق أن عليًّا المصري سهر عند الخليفة ليلة من الليالي، فقال له الخليفة: مرادي يا علي أن تحكي لي جميع ما جرى لك من الأول إلى الآخر. فحكى له جميع ما جرى من الدليلة المحتالة وزينب النصَّابة وزريق السماك؛ فأمر الخليفة بكتابة ذلك، وأن يجعلوه في خزانة الملك؛ فكتبوا جميع ما وقع له وجعلوه من جملة السِّيَر لأمة خير البشر، ثم قعدوا في أرغد عيش وأهناه، إلى أن أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، والله سبحانه وتعالى أعلم.
حكاية أردشير وحياة النفوس
ومما يُحكَى أيضًا أيها الملك السعيد، أنه كان بمدينة شيراز ملك عظيم يُسمَّى السيف الأعظم شاه، وكان قد كبر سنه ولم يُرزَق ولدًا، فجمع الحكماء والأطباء وقال لهم: إني قد كبر سني وقد علمتم حالي وحال المملكة ونظامها، وإني خائف على الرعية من بعدي، وإلى الآن لم أُرزَق ولدًا. فقالوا: نحن نصنع لك شيئًا من العقاقير يكون فيه النفع إن شاء الله تعالى. فصنعوا له شيئًا واستعمله، ثم واقَعَ زوجته فحملت بإذن الله تعالى الذي يقول للشيء كن فيكون، فلما استكملتْ شهورَها وضعتْ ولدًا ذكرًا مثل القمر فسمَّاه أردشير، فكبر وانتشى وتعلَّم العلم والأدب إلى أن صار له من العمر خمس عشرة سنة. وكان بالعراق ملك يُسمَّى الملك عبد القادر، وكان له بنت كالبدر الطالع، وكانت تُسمَّى حياة النفوس، وكانت تبغض الرجال، فلا يكاد أحد أن يذكر الرجال بحضرتها، وقد خطبها من أبيها الملوكُ الأكاسرة، فيكلمها أبوها فتقول: لا أفعل هذا أبدًا، وإنْ غصبتَني عليه قتلتُ نفسي. فسمع ابن الملك أردشير بذِكْرها فأعلم والده بذلك، فنظر إلى حاله ورقَّ له وصار كل يوم يوعده بزواجها، ثم أرسل وزيره إلى أبيها ليخطبها فأبى، فلما رجع الوزير من عند الملك عبد القادر أخبره بما اتفق له معه، وأعلمه بعدم قضاء حاجته، فصعب ذلك على الملك واغتاظ غيظًا شديدًا وقال: هل مثلي يرسل إلى أحدٍ من الملوك في حاجةٍ فلا يقضيها؟ ثم أمر مناديًا أن ينادي في العسكر بتبريز الخيام وكثرة الاهتمام، ولو بالقرض في النفقة، وقال: ما بقيت أرجع حتى أخرب ديار الملك عبد القادر، وأقتل رجاله، وأمحو آثاره، وأنهب أمواله. فلما بلغ ولده أردشير هذا الخبر، قام عن فراشه ودخل على أبيه الملك وقبَّل الأرض بين يديه وقال له: أيها الملك الأعظم، لا تكلف نفسك بشيء من هذا. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.