فلما كانت الليلة ٥٥٧
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري لما طلع من الغرق إلى الجزيرة، وأكل من فواكهها وشرب من أنهارها وحمد الله وأثنى عليه، قال: ولم أزل على هذه الحالة قاعدًا في الجزيرة إلى أن أمسى المساء، وأقبل الليل، وأنا مثل القتيل مما حصل لي من التعب والخوف، ولم أسمع في تلك الجزيرة صوتًا، ولم أرَ فيها أحدًا، ولم أزل راقدًا فيها إلى الصباح، ثم قمت على حيلي ومشيت بين تلك الأشجار، فرأيتُ ساقية على عين ماء جارية، وعند تلك الساقية شيخ جالس مليح، وذلك الشيخ مؤزَّر بإزارٍ من ورق الأشجار، فقلت في نفسي: لعل هذا الشيخ طلع إلى هذه الجزيرة، وهو من الغرقاء الذين كُسِرت بهم المركب. ثم دنوتُ منه وسلَّمْتُ عليه، فرد عليَّ السلام بالإشارة ولم يتكلم، فقلت له: يا شيخ، ما سبب جلوسك في هذا المكان؟ فحرَّكَ رأسه وتأسَّفَ، وأشار لي بيده؛ يعني احملني على رقبتك، وانقلني من هذا المكان إلى جانب الساقية الثانية، فقلت في نفسي: أعمل مع هذا معروفًا، وأنقله إلى هذا المكان الذي يريده، لعل ثوابه يحصل لي. فتقدَّمْتُ إليه وحملته على أكتافي، وجئتُ إلى المكان الذي أشار لي إليه، وقلت له: انزل على مهلك. فلم ينزل عن أكتافي، وقد لفَّ رجليه على رقبتي، فنظرت إلى رجلَيْه، فرأيتهما مثل جلد الجاموس في السواد والخشونة، ففزعت منه وأردت أن أرميه من فوق أكتافي، فقرط على رقبتي برجلَيْه وخنقني بهما حتى اسودَّتِ الدنيا في وجهي، وغبت عن وجودي، ووقعت في الأرض مغشيًّا عليَّ مثل الميت، فرفع ساقيه وضربني على ظهري وعلى أكتافي، فحصل لي ألم شديد، فنهضتُ قائمًا به وهو راكب على أكتافي، وقد تعبت منه، فأشار لي بيده أن أدخل بين الأشجار إلى أطيب الفواكه، وإذا خالفتُه يضربني برجلَيْه ضربًا أشد من ضرب الأسواط. ولم يزل يشير لي بيده إلى كل مكان أراده وأنا أمشي به إليه، وإنْ توانيتُ أو تمهَّلْتُ يضربني، وأنا معه شبه الأسير، وقد دخلنا في وسط الجزيرة بين الأشجار، وصار يبول ويخري على أكتافي، ولا ينزل ليلًا ولا نهارًا، وإذا أراد النوم يلف رجليه على رقبتي وينام قليلًا، ثم يقوم ويضربني فأقوم مُسرِعًا به، ولا أستطيع مخالفته من شدة ما أقاسي منه، وقد لمت نفسي على ما كان مني من حمله والشفقة عليه. ولم أزل معه على هذه الحالة وأنا في أشد ما يكون من التعب، وقلت في نفسي: أنا فعلت مع هذا خيرًا، فانقلب عليَّ شرًّا، والله ما بقيتُ أفعل مع أحدٍ خيرًا طول عمري. وقد صرت أتمنى الموت من الله تعالى في كل وقت وكل ساعة من كثرة ما أنا فيه من التعب والمشقة.
ولم أزل على هذه الحالة مدة من الزمان إلى أن جئتُ به يومًا من الأيام إلى مكان في الجزيرة، فوجدتُ فيه يقطينًا كثيرًا، ومنه شيء يابس، فأخذت منه واحدة كبيرة يابسة، وفتحت رأسها وصفيتها ومشيت بها إلى شجرة العنب، فملأتها منها، وسددت رأسها، ووضعتها في الشمس، وتركتها مدة أيام حتى صارت خمرًا صرفًا، وصرت كل يوم أشرب منه لأستعين به على تعبي مع ذلك الشيطان المريد، وكلما سكرت منها تقوى همتي، فنظرني يومًا من الأيام وأنا أشرب، فأشار لي بيده: ما هذا؟ فقلت له: هذا شيء مليح يقوي القلب ويشرح الخاطر. ثم إني جريت به ورقصت بين الأشجار، وحصل لي نشوة من السكر، فصفَّقْتُ وغنَّيْتُ وانشرحت، فلما رآني على هذه الحالة، أشار لي أن أناوله اليقطينة ليشرب منها، فخفتُ منه وأعطيتها له، فشرب ما كان باقيًا فيها، ورماها على الأرض، وقد حصل له طرب، فصار يهتز على أكتافي، ثم إنه سكر وغرق في السكر، وقد ارتخت جميع أعضائه وفرائصه، وصار يتمايل من فوق أكتافي، فلما علمت بسكره وأنه غاب عن الوجود، مددت يدي إلى رجلَيْه، وفككتهما من رقبتي، ثم ملت به إلى الأرض، وألقيته عليها. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.