فلما كانت الليلة ٥٥٩
قالت: بلغني أيها الملك السعيد، أن السندباد البحري لما نزل من مدينة القرود في المركب، وأخذ ما كان معه من الجوز الهندي وغيره، واكترى مع الريس قال: وقد ساروا بالمركب في ذلك اليوم، ولم نزل سائرين من جزيرة إلى جزيرة، ومن بحر إلى بحر، وكل جزيرة رسينا عليها أبيع فيها من ذلك الجوز وأقايض، وقد عوَّضَ الله عليَّ بأزيد مما كان معي وضاع مني. وقد مررنا على جزيرة فيها شيء من القرفة والفلفل، وقد ذكر لنا جماعة أنهم نظروا على كل عنقود من عناقيد الفلفل ورقة كبيرة تظله، وتلقي عنه المطر إذا أمطرت، وإذا ارتفع عنه المطر انقلبت الورقة عن العنقود ونزلت بجانبه. فأخذتُ معي من تلك الجزيرة شيئًا كثيرًا من الفلفل والقرفة مقايضةً بالجوز. وقد مررنا على جزيرة العسرات، وهي التي فيها العود القماري، ومن بعدها على جزيرة أخرى مسيرتها خمسة أيام، وفيها العود الصيني وهو أغلى من القماري، وأهل تلك الجزيرة أقبح حالةً ودينًا من أهل جزيرة العود القماري، فإنهم يحبون الفساد وشرب الخمور، ولا يعلمون الآذان ولا أمر الصلاة. وجئنا بعد ذلك إلى معاطن اللؤلؤ، فأعطيتُ الغوَّاصين شيئًا من جوز الهند وقلت لهم: غوصوا على بختي ونصيبي. فغاصوا في تلك البركة، وقد طلعوا شيئًا كثيرًا من اللؤلؤ الكبير الغالي وقالوا لي: يا سيدي، والله إن بختك سعيد. فأخذت جميع ما طلعوه لي في المركب، وقد سرنا على بركة الله تعالى، ولم نزل سائرين إلى أن وصلنا البصرة، فطلعت فيها، وأقمت بها مدة يسيرة، ثم توجَّهْتُ منها إلى مدينة بغداد، ودخلت حارتي، وجئتُ إلى بيتي، وسلَّمْتُ على أهلي وأصحابي، وهنوني بالسلامة، وخزَّنْتُ جميع ما كان معي من البضائع والأمتعة، وكسوت الأيتام والأرامل، وتصدَّقْتُ ووهبت، وهاديت أهلي وأصحابي وأحبابي، وقد عوَّضَ الله عليَّ بأكثر مما راح مني أربع مرات، وقد نسيت ما جرى لي، وما قاسيته من التعب بكثرة الربح والفوائد، وعدت لما كنت عليه في الزمن الأول من المعاشرة والصحبة، وهذا أعجب ما كان من أمري في السفرة الخامسة، ولكن تعشوا وفي غدٍ تعالوا أخبركم بما كان في السفرة السادسة؛ فإنها أعجب من هذه.
فعند ذلك مدوا السماط وتعشوا، فلما فرغوا من العشاء أمر السندباد للحمَّال بمائة مثقال من الذهب، فأخذها وانصرف وهو متعجِّب من ذلك الأمر، وبات السندباد الحمَّال في بيته، ولما أصبح الصباح قام على حيله وصلَّى الصبح، ومشى إلى أن وصل إلى دار السندباد البحري، فدخل عليه، فأمره بالجلوس فجلس عنده، ولم يزل يتحدَّث معه حتى جاء بقية أصحابه، فتحدثوا ومدوا السماط، وأكلوا وشربوا وتلذذوا وطربوا، وابتدأ السندباد البحري يحدِّثهم بحكاية السفرة السادسة، فقال لهم: اعلموا يا إخواني وأحبائي وأصحابي أني لما جئت من تلك السفرة الخامسة، ونسيت ما كنت قاسيته بسبب اللهو والطرب والبسط والانشراح، وأنا في غاية الفرح والسرور، ولم أزل على هذه الحالة إلى أن جلست يومًا من الأيام في حظ وسرور، وانشراح زائد، فبينما أنا جالس إذا بجماعة من التجار وردوا عليَّ، وعليهم آثار السفر، فعند ذلك تذكرت أيام قدومي من السفر، وفرحي بلقاء أهلي وأصحابي وأحبابي، وفرحي بدخولي بلادي، فاشتاقَتْ نفسي إلى السفر والتجارة، فعزمتُ على السفر، واشتريتُ لي بضائع نفيسة فاخرة تصلح للبحر، وحملت حمولي، وسافرت من مدينة بغداد إلى مدينة البصرة، فرأيتُ مركبًا عظيمة فيها تجارٌ وأكابر ومعهم بضائع نفيسة، فنزلت حمولي معهم في هذه المركب، وسرنا بالسلامة من مدينة البصرة. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتَتْ عن الكلام المباح.